(بين جمهرة القراء في اللغة العربية طائفة لا ترضى عن شيء، ولا تكف عن اقتراح! ولا تزال تحسب أنها تفرض الواجبات على الكتاب والمؤلفين، وليس عليها واجب تفرضه على نفسها. . إن كتبت في السياسة قالوا: ولم لا تكتب في الأدب؟ وإن كتبت في الأدب قالوا: ولم لا تكتب في القصة؟ وإن كتبت في القصة قالوا: ولم لا تكتب للمسرح أو للصور المتحركة؟ وإذا كتبت للمسرح والصور المتحركة قالوا: ولم لا تحي لنا تاريخنا القديم، ونحن في حاجة إلى إحياء ذلك التراث؟
وإذا أحييت ذلك التراث قالوا: دعنا بالله من هذا وانظر إلى تاريخنا الحديث فنحن أحق الناس بالكتابة فيه. . وإن جمعت بين هذه الأغراض كلها قالوا لك: والقطن؟ وشؤون القرض الجديد؟ ومسائل العمال! ورؤوس الأموال؟ وكل شيء إلا الذي تكتب لهم فيه!
وقد شبهت هذه الطائفة مرة بالطفل المدلل الممعود: يطلب كل طعام إلا الذي على المائدة، فهو وحده الطعام المرفوض. . إن قدمت له اللحم طلب السمك، وإن قدمت له الفاكهة طلب الحلوى، وإن قدمت له صنفاً من الحلوى، رفضه وطلب الصنف الآخر، وإن جمعت له بين هذه الأصناف تركها جميعاً وتشوق إلى العدس والفول، وكل مأكول غير الحاضر المبذول!
سر هذا الاشتهاء السقيم في هذه الطائفة معروف. سره أن الجمهور في بلادنا العربية لم (يتشكل) بعد على النحو الذي تشكلت به الجماهير القارئة في البلاد الأوربية. وإنما نعد الجمهور القارئ متشكلاً إذا وجدت فيه طائفة مستقلة لكل نوع من أنواع القراءة، وإن ندر ولم يتجاوز المشغولون به المئات. . وسنسمع المقترحات التي لا نهاية لها، ولا نزال نسمعها كثيراً حتى يتم لنا (التشكيل) المنشود وهو غير بعيد!
إننا لا نعتقد أن هنالك واجباً مفروضاً على الكاتب غير الإجادة في موضوعه الذي يتناوله كائناً ما كان. . وليس هناك موضوع يكتب كتابة حسنة ثم لا يستحق أن يقرأ ولا يفيد إذا قرء قراءة حسنة: فالبطل القديم الذي يدرس على الوجه الصحيح هو موضوع جديد في كل عصر من العصور. والبطل الحديث الذي يساء درسه خسارة على القارئ والكاتب والبطل