للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[سيف بن عمر]

للدكتور جواد علي

ذلك سيف بن عمر، مؤرخ نشيط من مؤرخي القرن الثاني الهجرة. كان مثل زملائه نهماً في التفتيش عن إخبار الماضين، وتتبع أمورهم، والكتابة عن الأموات مثل جماعتنا أصحاب التأريخ لم يترك التأريخ حتى أحبه واصطفاه من بين الناس فمات سنة ١٨٠الهجرة فكتب عنه من كان على شاكلته، من أصحاب التأريخ. من هؤلاء المفتونين بنبش الماضي، والبحث عن الحسنات والسيئات. وهي لا تقدم المؤرخ المسكين ولا تؤخره، ولا تقدم العالم ولا تؤخره، ولكنها الدنيا، والدنيا عالم الجنون فيه فنون. وأنا مع الأسف الشديد من صرعى هذا الجنون. ولكن ولله الحمد الذي لا يحمد على محبوب أو مكروه سواء، لولا هذا الجنون لما حدث عمران ولا ظهر اختراع ولأحدثت هذه الطفرات التي هي من عمل (المجانين) الذين يمتازون عن الأسوياء بحالات سمّها يا أخي ما شئت. . .

ثم سيف بن عمر الذي أقدمه للقراء كوفي من مدينة (الكوفة) المدينة العلوية الخارجية العثمانية السفيانية المروانية العباسية، حرباء المدن، و (منجستر) زمانها، صاحبة المعامل الضخمة والشركات الكبرى لصنع الأخبار، ورواية الأحاديث ووضع القصص، المدينة التي نفقت سوقها في الأخبار، واشتغلت معاملها ليل نهار في صنع الشعر والنثر فأخرجت بضاعة مزجاة، على درجات متباينات، بينها الصحيح السليم الأصيل الذي يمثل أعلى درجات الرواية، وبينها الموضوع المنحول الفاسد، الذي له أصحاب واتباع وسوق على كل حال، يعيش عليه عدد من أصحاب الفطنة والذكاء والمكر والقصد، وأصحاب العقائد أيضاً الذين يرون في الوضع نصراً للعقيدة والمذهب، وقربى إلىالله، وراحة للضمير.

ولم يرد في الكتب أن صاحبنا كان واحداً من أولئك الذين عرفوا بالعبث والمجون وبفساد الأخلاق كوالبة بن الحبَّاب، أو مطيع بن أياس، أو حماد عجرد، أو حماد بن الزبرقان، أو حماد الرواية، أو أمثالهم ممن أختلط حديثهم بالمجون، واكتسب أدبهم لوناً، وإن أبعد ما يكون عن الشهامة والآداب، وحياة الرزانة والجد، واقرب ما إلىالعبث وتمضية الوقت، إلا أنه لون ظريف على كل حال من ألوان الأدب. والأدب في عرف الأدباء أشكال وألوان.

<<  <  ج:
ص:  >  >>