الشاعر: يا مولانا الشيخ! ليس في هذا الحديث غيبة، وإنما هو نقد مباح ومبادلة رأي. وإذا أصررت على أن فيه غيبة، فلا حيلة لنا في إصرارك! وكيف يستطيع قوم يرون الأحداث من حولهم ببرى، وتمتلئ صدورهم بالحنق عليها، وبفيض أذهانهم بضروب الرأي فيها، ثم لا يتكلمون؟ وفي جلسة متوارية متواضعة كجلستنا؟ اللهم إن هذه هي الغفلة الكاملة، فإذا ارتضيتها لنفسك، فنرجو الله أن يعافينا منها
ولي الدين: أيها الشويعر المتعالم! هل النقد لا يتناول إلا العيوب فينشرها، والنقائص فيذكرها، أوليس للناس حسنات تستحق منكم الثناء والاقتداء؟
الشاعر: أنى لنا ذكر الحسنات، وقد طغت عليها السيئات؟ إن هؤلاء الجراكسة قد ملئوا فجاج هذا الوادي فساداً، وأصبحوا كالخمر ضررها أكبر من نفعها
انظروا. ولقد بلغني منذ أمد قريب أن أحد رعاع المماليك الجليان نزل إلى سوق الرقيق لبعض شأنه، فاختلف مع الدلال لأمر من الأمور، فاستعر بينهما الجدال، وعلا الضجيج، فما كان من المملوك إلا أن هوى على رأس التاجر بقبقاب. . . فوقع على الأرض متردياً، وحمل إلى بيته لا حراك به، ثم مات بعد زمن قريب. . . فماذا جرى لهذا المملوك؟ لم تنتطح في شأنه شاتان!
ثم. . . أتعرفون الأمير أرزمك الناشف أحد الأمراء المقدمين. .؟ لقد ضرب أحد النوتية ضرباً مبرحاً حتى مات بين يديه. . . ثم.! علم السلطان بحادثته، فتغافل عنه، مراعاة للأمير أرزمك، وقيل أنه أوعز إليه بأن يرضي أبناء قتيله بشي من المال
التاجر: لقد سلط الله بعض هذه الطائفة على بعض، ليأخذهم بظلمهم، وفداحة ضرائبهم على الرعية، وسرفهم في الأموال، وسفههم