المستوفي: لعلكم تعرفون أن الأتابكي قيت، كان يأتمر بالسلطنة، ويتطلع إلى منصبها. فكان يراسل الأمراء الطامعين لينضموا إلى صفوفه أمثال سيباي نائب حلب، ودولات بأي نائب طرابلس، ذلك الذي فر مرة إلى ملك العثمانيين، ليحرضه على سلطنة مصر وممتلكاتها. . وبذلك أفسد الأتابكي قيت عدداً غير قليل من الأمراء. وكادت مؤامراته تنجح، لولا أن عيون الغوري يقظى. . . فدهمه وعاجله بالقبض عليه، وواجهه بأدلة قاطعة، على إدانته، فلم يستطع دحضها. . وهكذا أدى به مطاف أقماعه إلى سجن الإسكندرية ينتظر في ظلماته مصيره المحتوم. . . ثم أقام السلطان مكانه في الأتابكية عدوه اللدود الأمير قرقماس
الشيخ ولي الدين: كفى كفى.؟ ألم يعد يحلو لكم، ولا يلذ لألسنتكم، ولا تتلمسون للناس حسنة تذكرونهم بها، ولا يدا تشكرونهم عليها؟ ألا كم لسلطاننا الغوري من حسنات. . . وكم له من أيادي بيضاء
الشاعر:(فاغراً فاه): ألا يتفضل مولانا الشيخ يذكر حسنة من حسناته أو يداً من أياديه؟
الشيخ ولي الدين: ألم يأمر بجميع فقراء القاهرة في يوم عاشوراء؟ فاجتمعوا عند سلم المدرج، ثم نزل إليهم بنفسه، وهو يمتطي فرسه، وفرق عليهم الدنانير بيده؟ لقد قيل أنه أعطى كل فقير منهم ديناراً أشرفياً من الذهب
الشاعر: نعم! نذكر ذلك ولا ننساه. . . كما نذكر أيضاً أن ثلاثة من هؤلاء المساكين فد قتلوا في أثناء ذلك!
الشيخ: اتق الله يا شهاب الدين، ولا تلبس الحق ثوب الباطل. فقد قتلهم الزحام، ولم يقتلهم السلطان
الشاعر: ولهذا، صمم السلطان على عدم النزول إلى الفقراء مرة أخرى. . . حتى يئسوا من بره. . . وحتى قال قائلهم:
سل الله ربك من فضله ... إذا عرضت حاجة مقلقة
ولا تسأل الترك في حاجة ... فأعينهم أعين ضيقه. . . .
الشيخ: أن السلطان لكثير البر، وهو ر يفتأ يحسن إلى الفقراء، وقد أمر في أول رمضان أن تحمل إلى القلعة رءوس الضأن وأوعية الدقيق والخبز والسكر، وأن تعرض في ميدان القلعة على أنظاره، كما جرت العادة بذلك، بعد أن تزف في شوارع القاهرة على رءوس