كتب الأستاذ دريني خشبة في مجلة (الرسالة) المصرية، أربع مقالات متتالية، تعقب بها (رسائل التعليقات) للرصافي، وفند بعض ما جاء فيها من أقوال. ونحن هنا لا نريد أن نعرض إلا لمقاله الثالث فقط المنشور في العدد ٥٧٢ من الرسالة أما مقاله الأول والثاني والرابع فنضرب عنها صفحاً، لأنها خارجة عن حدود آداب البحث والنقد. والظاهر أنها مكتوبة لغرض آخر غير النقد لا نشك في أن الأستاذ خشبة يعرف حدوده فلا يتعداها، كما يعرف حقوقه فيرعاها، وواجباته فيؤديها؛ إذ وجه فيها إلى الرصافي تهمة هو بريء منها، ونسب إليه أقوالاً لم يقلها، وكل ذلك يدل على أنه لم يقرأ رسائل التعليقات، وإنما تصفحها سريعاً بلا إمعان ولا تثبيت، ولم ينقل عبارات الرصافي بنصوصها، بل ذكرها ناقصة مقتضبة ومشوهة واكتفى بالإشارة إلى عدد صفحاتها، ولا شك أن الناقد النزيه لا ينظر إلى المساوئ فقط، بل في المحاسن أيضاً، وقد تعمد في تعابيره القدح والشتم، مما لا يليق بأقلام النقاد العارفين، إلى غير ذلك مما يدل على أنه لم يقف فيما كتبه موقف الناقد، بل موقف الطاعن الحاقد، لسبب لا نعلمه نحن بل هو
وأما مقاله الثالث المنشور في العدد (٥٧٢) من الرسالة؛ فإنه قد ترجم فيه للقراء أقوال القدماء من فلاسفة اليونان حول وحدة الوجود كما يزعم هو، ليثبت بها أن نظرية وحدة الوجود قديمة، وأنها ليست بإسلامية محضة كما يقول الرصافي
فعلى ذلك نقول: كان يجب على الأستاذ أن يذكر أولاً نظرية وحدة الوجود التي يقول بها أهل التصوف كما ذكرها وصورها الرصافي في رسائل التعليقات، ثم يأتي بعد ذلك بأقوال فلاسفة اليونان، لكي يعلم القراء أين تقع هذه الأقوال من وحدة الوجود التي ذكرها الرصافي، ولكنه لم يفعل ذلك، بل أهمل ذكرها، فكان، بسبب ذلك، قراء الرسالة في حكمهم كالقاضي الذي سمع رد المدعي عليه من دون أن يسمع دعوى المدعي ولا ريب أن ذلك مخالف لآداب البحث والنقد
ولنذكر وحدة الوجود التي ذكرها الرصافي في تعليقاته، ثم نذكر تلك الأقوال ونقارن بينها