يحسب الناس - كما كنت أحسب مثلهم من قبل - أن أمر التعليم الجامعي الذي هو أرقى درجات التعليم العصري في بلادنا يسير على منهاج قويم لا عوج فيه لا من حيث المناهج والبرامج، فهذا ما ليس من حديثنا اليوم، ولكن من حيث النظم الإدارية، ولكن من يدنو من كليات الجامعة ويذوق مرارة أعمالها يجد أنها تسير على نظم عقيمة لا تتفق مع الروح الجامعية في شيء ويستيقن أنها وقد انقضى عشرات السنين على إنشائها لا تبرح تتبع في النظم ما يتبع في المدارس الابتدائية!
فهذا طالب ينطق تاريخه الدراسي باجتهاده ونبوغه، لم يقبل بالطب البشري بالإسكندرية من أجل نصف درجة! في علم لا يتصل بالدراسة الطبية في شيء، فشق عليه ذلك، وما كاد يعلم أن الدراسة الإعدادية بكلية طب قصر العيني عامة للبشري والأسنان معاً، وأن توزيع الطلبة فيها سيجري حسب ترتيب النجاح في امتحان هذه الدراسة حتى سارع إلى التحول إليها، ليزاحم بمنكب الجد طلابها، ولم يقنع في امتحان هذه الدراسة بأقل من درجة (جيد جداً) وهي درجة لم ينلها معه إلا قليل، ومن ثم أيقن أنه بهذا التفوق قد أصبح له الحق كاملاً في دراسة الطب البشري.
ولكن ما كان أشد دهشته لما وجد أن هذه الكلية تحول بينه وبين هذه الدراسة، وهاله أن يراها وهي تصده - على تفوقه - عن هذه الدراسة قد أتاحتها للمتخلفين وراءه في النجاح من زملائه حتى الذين لم يستطيعوا أن ينالوا إلا درجة مقبول. . . وما كان هذا الظلم والعنت لا لأنه كان يزعمها مقيداً بالإسكندرية على طب الأسنان أي قبل أن يحول إليها! كأن حسن إسلامه وصالح أعماله لم يضعا عنه وزر الجاهلية ولا أغلالها!! وتلقاء هذا العنت والظلم لم يجد ملاذاً يفزع إليه إلا أن يلجأ إلى مجلس الدولة لكي ينصفه في هذا الظلم المبين.
وهؤلاء طلاب من مختلفي الكليات يبلغ عددهم مائة أو يزيدون تمنعهم كلياتهم من أداء امتحاناتهم بحجة عدم حصولهم على نسبة الحضور التي جعلتها نظمها شرطاً لأداء الامتحان كأنهم لا يزالون أطفالاً لا يختلفون إلى دروسهم إلا بعد أن ينتظموا طوابير في