التقى رجلان فقيران، كلاهما مدقع ذليل لفقره. . . وجلسا يتشاكيان ويتناجيان بأحاديث يصل فيها الفقر إلى الألم، ويصل الألم إلى الحسرة، وتبلغ الحسرة إلى الثورة، وتنتهي الثورة إلى الدموع. . . ثم يكون بعد الدموع الاستلام والجلد والهدوء والراحة
قال أحدهما للآخر: هبك أصبحت غنياً من أهل الترف والنعيم والجاه؛ فكيف تكون في غناك، وماذا تعمل إذ ذاك بمالك؟.
فأجاب: أكون ظلا مباحاً يأوي إليه الشَّرَدُ بلا قيد، ويتفيؤه الفقراء بغير عناء، وأكون حلقة الاتصال بين الأغنياء والمساكين. . . أعطي أولئك المكانة والمظهر، وأعطي هؤلاء النفس والجوهر
وأما مالي فلا يكون ألا مطية للكرم ومجالاً للعطف وسبيلاً للرحمة، ولا أكون عليه إلا كالأمين على مال موقوف للخير ولا يكون لي منه ألا ما للمرضع من لبن ثديها تدرُّ به للتربة
والتقى رجلان غنيان كلاهما مرهوب مرفوع لغناه. . . وجلسا يتداعبان ويتنادمان بأحاديث يصل فيها الغنى إلى الفخر، ويصل الفخر إلى الكبر، ويبلغ الكبر إلى التعاظم، وينتهي التعاظم إلى الوقاحة. . . ثم يكون من الوقاحة انتفاخ الأوداج واتساع المزاعم وادعاء المستحيل
قال أحدهما للآخر: هبك أصبحت فقيراً من أهل البؤس والعدم؛ فكيف تكون في فقرك؟ وماذا تجد إذ ذاك في دنياك؟
قال الثاني: وهل تتوقع الفقر لأمثالنا؟
قال الأول: ليكن هذا مستحيلاً، ولنفرض انه وقع. . .
قال الآخر: إذن أنتحر. . .
ومشت الأيام في طريقها إلى غايتها. . . فإذا الفقير المعدم غني موسر يتدرج نحو الثراء وشيكاً؛ فيجد في كل عمل حظاً، ويكسب من كل حظ ثروة، ويحس في كل ثروة سعادة. . . لأن الدنيا رضيت عنه فراحت تسترضيه، ومالت إليه فأخذت تستميله