للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[صفحة من كتاب]

مع الغروب

للأستاذ شكري فيصل

- ١ -

هذا منصرفي الآن من (المكتبة). لقد قرأت الفصل الطويل الذي كتبه (الطبري) عن (صفين). وخرجت منه دامع الطرف، حزين القلب، تعلو وجهي كآبة مرة. . . ولكن الدنيا المشرقة تريدني أن أضحك؛ فكل ما حولي جميل ناعم. . . إن صفحة السماء لتوحي إلى بكثير من المعاني؛ وأنها لتبعث في نفسي ألواناً من الحنان؛ وإني لأشعر بيد ناعمة طرية تدغدغ قلبي فيستكين لها وينبسط معها؛ وتشيع فيه بوارق الأمل. . . كأنها كلمات السماء تُلقي إليه في يأسه وخموله، فيصحو وينتفض ويثب ويهفو مع النسمات البليلة، ويتحسس هذا الجمال المبعثر هنا في أفق السماء وجنبات الأرض

. . . لقد طرق سمعي صوت الساعة الضخمة القائمة في حرم الجامعة، كجرس الكنسية!. . . كأنها كانت تنعى هذا النهار المدبر إلى الناس الغافلين. . . فأنوار الشمس الساطعة تستحيل شيئاً فشيئاً إلى أنوار باهتة ليس لها ذاك الجبروت ولا تلك القوة، والنسمات اللطاف تترنح في هذا الجو، والشجيرات القائمة على حفافي الشارع تبدأ رقصتها الفاتنة، وتثنِّيها الرائع، والعشب النامي يتماوج بكل فتوته الناشئة كأنه يشارك الكون نغمته المتسقة البارعة

- ٢ -

. . . لشد ما ازدهتني هذه الأمسية الحلوة. . . فانطلقت معها أطوف في هذه (الضاحية الجامعية) وأنعم بالهدوء الذي يلفها بردائه الرفيق الرقيق في مثل هذه الساعة المتأخرة من النهار حين يفارقها ضجيج المحاضرات وجلبة الطلبة ورنين الأجراس، فلا تحس فيها تلك الحركة، ولا تجد لها ذاك الاضطراب. . . وإنما يغمرك إحساس رفيع من قدسية العلم، وسمو المعرفة، وجلال الطلب

. . . لقد أخذت أذرع هذا الشارع الجميل الذي تنسحب على جانبيه الحدائق، وتنبت في

<<  <  ج:
ص:  >  >>