كانت وفاة الملك سيتي الأول والد رعمسيس فجيعة للبلاد جزعت لها ولبست من أدناها لأقصاها ثياب الحداد. وقد قضى نحبه في عنفوان العمر واكتمال الرجولة بعد حكم مجيد زاهر. فامتد سلطانه واتسعت رقعة ملكه شمالا حتى دانت له الشام كلها، وبلغ حدود الحثيين في آسيا الصغرى وممالك بابل وأشور إلى أعالي الفرات، واستتب له الأمر جنوباً في النوبة، وضرب على أيدي قبائل البدو في الصحراء الغربية فكف عن الوادي الخصيب غاراتهم المتكررة. ثم جعل همه إلى صلاح البلاد وعمرانها؛ وأمامنا حتى اليوم على علو همته شهود ناهضة ناطقة، منها ضريحه الرائع ومعبد العرابة وبهو الكرنك الشاهق مرفوع السمك على عُمُده الفخمة وقد ازدانت جوانبها بتهاويل منقوشة تمثل انتصاراته وتروي وقائعه تخليداً لعظمته ومجده.
ولكن كان العزاء عن فقده ما يبدو من المخايل على ولده وإن كان بعد في سن الحلم.
فانظر إلى المليك الشاب من ذا الذي لا يعنو لفتنة طلعته! فأنه ليروعك أول ما يروعك - بالقامة الفارعة وجمال الوجه واستواء الخلق، وهو ممشوق لطيف الأوصال لدن الأعطاف حلو الشمائل، ومع ما يلحظه المتأمل في ملامحه من القوة والتفاوت كضيق الجبين وقنى الأنف ومتانة الفك وشدة الذقن فإن هذه جميعاً تكسوها سماحة ودماثة. كما أنه ليس من ذوي الطبائع الحزينة المسترسلة في سبحات التفكير الهائمة في أودية الأحلام، وإن كانت له سيماؤها لفرط ما صقلته التربية وهذبت حواشيه، وإنما طبعه الغالب هو الإقدام والعزيمة يعمران هذا الجسد الذي ارتاض على المشقة والجهد من سباق العجلات إلى الرماية والصيد فضلا عن المعارك الحربية، فتوفرت له منها مزايا سرعة الحركة ورباطة الجأش والاستخفاف بالخطر. وشد ما كانت تستجيشه أوصاف الشعراء لوقائع أسلافه. ثم هو يحس منذ نعومة أظفاره بأنه مولود للرياسة الملك. وكان يطيب له أن يستذكر المراسم التي هيأته لوراثة السلطان، فيذكر شعائر التطهير وكيف ضمه والده إلى صدره على مشهد من كبراء الدولة ورجال القصر لتسري إليه نفحات الحياة، ثم نادى به ملكا من بعده في وسط الهتاف