للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[باقة من الفلسفة الإسلامية]

الفيلسوف ابن مسكويه وكتابه تهذيب الأخلاق وتطهير

الأعراق

للأستاذ محمد حسن ظاظا

(ولا ينبغي على أية حال أن نشكر له فقط محاولته إقامة نظام خلقي بعيد عن نزعات الدينيين وزهد المتصوفة، بل ينبغي كذلك أن نسجل له، في الرسم الذي وضعه، الذوق السليم والثقافة الواسعة)

(دي بوير)

نعرض اليوم بإيجاز لفيلسوف إسلامي أخرج للناس دستوراً إيجابياً أخلاقياً طريفاً قوامه المنطق الصحيح والذوق السليم، بحيث لو تبعوه في حياتهم لنالوا به السعادة الحق دنيا وأخرى. ونعني به الفيلسوف (أبو علي احمد بن محمد بن يعقوب مسكويه) صاحب (كتاب تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق)، وهو الكتاب المعروف الذي نصح الإمام (محمد عبده) بتدريسه في الأزهر إلى جانب الإحياء للغزالي، والذي قام المرحوم (علي باشا رفاعة) بنشره وتبويبه، والذي شرع الزعيم الخالد (سعد زغلول) في اختصاره والتعليق عليه دون أن يتمه

١ - عصره

عاش ابن مسكويه في العصر العباسي الثالث أي في العصر الذي يمتاز بشدة ضعف الخلافة العباسية وبقيام دويلات لا يعترف أكثرها للخليفة بغير السلطة الاسمية. ويهمنا من هذه الدويلات الدولة البويهية (٣٢٠ - ٤٤٧هـ) لأن ابن مسكويه عاش ومات في كنفها. وكانت هذه الدولة مظهراً قوياً للنشاط الفارسي الذي كان يرمي إلى الانفصال عن حكم العباسيين واستعادة مجد الفرس القديم. وكان ملوكها يحبون العلم والأدب ولا يستوزرون أو يستكتبون إلا عظماء الأدباء كالمهلبي وابن العميد وابن عباد وغيرهم. وكانت مجالسهم أبداً حافلة بكبار الشعراء والعلماء والفلاسفة ومن على شاكلتهم. لذلك لا عجب أن يمتاز هذا العصر بنضج العلم، وتكوين المعاجم اللغوية، واستقرار الإنشاء على أسلوب مثالي. ولا

<<  <  ج:
ص:  >  >>