صف لي ملاهي قوم من الأقوام أصف لك خلقهم ونصيبهم من الحياة - وإذا أخطأني حظ الإصابة مرة لم يكن الخطأ إلا مؤقتاً، ويكون تطاول الأيام كفيلاً بتحقيق ما أتوقع - وليس ذلك ناشئاً من أن الله قد وهبني ما لم يهب سواي من قدرة على التكهن أو التنبؤ، بل هي مجاري الأقدار تنساق في سبيل لا حيلة في الحيد عنها، ولا وسيلة إلى الانفلات منها. .
وقد علمت أن الرومان أقبلوا على ملاهٍ يقشعر بدن الإنسانية من تصور ما كان يجري فيها من فظائع. . وأيمن الحق ما كان لامرئ أن يتنبأ لشعب الرومان إلا بالانحدار والانحلال مادامت نفوسهم لا تهتز إلا بسفك الدماء، ولا ترتاح إلا إلى مناظر الوحشية. وقد رأيت ما تنم عليه آثار مدنية بومبي من هُوى إلى سحيق الدعارة، وما كان لك أن تتطلع في مستقبل ذلك الشعب إلا إلى نزول وهبوط، إذ إن النفوس لا تلهو إلا بما مرنت عليه واطمأنت إليه وسرى في عاداتها وتغلغل في حياتها. وللحياة القوية مطالب وتكاليف، إذا اعتادت النفوس القيام عليها صارت لذتها في مباشرتها. ودونك من الشعوب القوية ما يوضح ذلك أتم إيضاح، فذلك شعب الإنجليز ترى لذة شبانه وكهوله في ممارسة الرياضة بأنواعها، والجولان في البحر والبر والهواء، يجدون اللذة القصوى في مقارعة الأخطار ومقابلة العقبات. وإذا شئت مثلاً آخر فلا تعوزك المثل؛ فالشعوب القوية ولله الحمد كُثر في كل عصر، ولن ترى شعباً قوياً تنزو به الحياة وتثب به القوة إلا رأيت لذته في مثل مقارعة الخطوب ومنازلة قوى الطبيعة. ولقد كان لنا آباء - رحمهم الله - لم يكونوا من المتخلفين في ميدان الحياة. بل كانوا حماة عصرهم وسادة جيلهم. ولست أتردد في أن أسميهم بالآباء، على أنهم قد لا يكونون لي آباء. كما أنني لا أتردد في أن أسمي الفراعين آبائي، ولعلهم لم يكونوا من آبائي. فإنني لا تجري فيّ دماء الملوك. ولئن كان فيّ شئ منها فقد جهلته. فالملوك الأقدمون منذ خلدوا على صفحات التاريخ قد أصبحوا اليوم آباء لنا في أنهم كانوا