أبعث إلى الفيلسوف الأستاذ أمين الريحاني بكتابي (كلمة في اللغة العربية)، وهو الخطبة التي خطبتها في (دار الرابطة الشرقية) في القاهرة في اليوم الأول من ذي القعدة سنة ١٣٤٣، فتجيبني منه رسالة في يناير سنة ١٩٢٦ (٢٩ جمادي الآخرة سنة ١٣٤٤) يقول فيها:
(سيدي الأستاذ إسعاف النشاشيبي (دام فضله)
وصلني كتابك (كلمة في اللغة العربية)، قرأت (الكلمة) كلها متنها وشرحها فخيل إلى وأنا في رياضها وأدغالها، وأغوارها وأنجادها، ودهنائها ومفاليها (اللفظة بدوية وأظنها صحيحة) أني أعيد السياحة في البلاد العربية. وما وجه الشبه؟ إن الجمال اللغوي جمالك لمثل الجمال البدوي، وإن الفخامة في ألفاظك لمثل الفخامة في صوت ابن البادية، وإن الروح في مقاصدك لمثل العظمة في خطواته. وكلها يا سيدي في الكتاب وفي البادية مثل الوجوه (حال يحول). نعم، إن هذا الأسلوب في الأدب مثل ذاك البدوي في الحياة، هو مظهر عجيب يسترعي الأنظار، فيدهش، ويطرب، ويحزن معاً. ولماذا؟ لأنه زائل. أحببت البدوي (والله)، وكنت معجباً به، ولكني لا أستطيع ولا أحب أن أكون مثله. وأحببت (كلمتك)، وكنت وأنا أطالعها معجباً بها. ولكني لا أستطيع، ولو أحببت، أن اكتب مثلها. لو كان لي أن أسوح في البلاد العربية بعد خمسين سنة لما عرفت، على ما أظن، صديقي البدوي وقد تحضر أو تمصر. ولا أظن أن هذا الأسلوب أسلوبك يكون مألوفاً أو معروفاً بعد خمسين سنة. والحكم للمستقبل، فقد يحكم علي وعليك معاً. ولكننا في غير الأسلوب متفقان. أني مكبر أدبك، محترم علمك، محبذ دعوتك للمحافظة على روح اللغة والصيغة العربية فيها. وأظن أني من المحافظين، رغم تجددي المخيف، إذا اتخذت من ابن الأثير، وهو اختيارك، مثالا أنسج عليه. ولكنك غاليت في حب القديم، غاليت يا رجل. . .
إذا كان المثل الأعلى الذي تنشده يقطع الحبل بيننا ف (هنريك ابسن ونيتشه) يصلانه ويوثقان العروة فيه.