قرأت لتسع سنوات خلت قصة فولتير التمثيلية (محمد)، فخجلت أن يكون كاتبها معدوداً من أصحاب الفكر الحر. فقد سب فيها النبي سباً قبيحاً عجبت له. وما أدركت له علة، لكن عجبي لم يطل، فقد رأيته يهديها إلى بنوا الرابع عشر بهذه العبارات:
(فلتستغفر قداستك لعبد خاضع من أشد الناس إعجاباً بالفضيلة، إذا تجرأ فقدم إلى رئيس الديانة الحقيقية ما كتبه ضد مؤسس ديانة كاذبة بربرية. والى من غير وكيل رب السلام، والحقيقة أستطيع أن أتوجه بنقدي قسوة نبي كاذب وأغلاطه؟ فلتأذن لي قداستك في أن أضع عند قدميك الكتاب ومؤلفه؛ وأن أجرؤ على سؤالك الحماية والبركة. وإني مع الإجلال العميق أجثو وأقبل قدميك القدسيتين)(فولتير ١٧ أغسطس ١٧٤٥).
وعلمت في ذلك الحين أن روسو كان يتناول بالنقد أعمال فولتير التمثيلية، فاطلعت على ما قال في قصة (محمد) علني أجد ما يرد الحق إلى نصابه، فلم أر هذا المفكر الحر أيضاً يدفع عن النبي ما أُلصق به كذباً، وكأن الأمر لا يعينه، وكأن ما قيل في النبي لا غبار عليه ولا حرج فيه، ولم يتعرض للقصة إلا من حيث هي أدب وفن. ولقد قرأت بعد ذلك رد البابا بنوا على فولتير، فألفيته رداً رقيقاً كيساً لا يشير بكلمة واحدة إلى الدين، وكله حديث في الأدب. فعظم عجبي لأمر فولتير، وسألت نفسي طويلاً: أيستطيع عقل مثقف كعقل هذا الكاتب العظيم أن يعتقد ما يقول. دين تبعه آلاف الملايين من البشر على مدى الأجيال، هو في نظره حقاً دين كاذب؟ ومبادئ إنسانية كالتي جاء بها الإسلام، هي عنده حقاً مبادئ بربرية؟ أم إنه التملق والزلفى والنفاق. وإن الزمن والتاريخ يضعان أحياناً أقنعة زائفة على نفوس تزعم أنها خلقت للدفاع عن حرية الفكر. . .
منذ ذلك اليوم وأنا أحس كأني فجعت في شيء عزيز لدي: الإيمان بنزاهة الفكر الحر. ولقد كنت أحياناً ألتمس الأعذار لفولتير، وأزعم أنه قال ما قال لا عن مجاملة أو ملق، بل عن عقيدة وحسن طوية استناداً على علم خاطئ بأخبار النبي، ولكن كتابه إلى البابا كان يتهمه اتهاما صارخاً، ويدع مجالاً للشك في دخيلة أمره. إني قرأت لفولتير كتباً أخرى كانت تكشف عن آراء حرة حقاً في مسائل الأديان، وتنم عن روح واسعة الآفاق تكره التعصب