يكتب المؤلفون عن تجارب الناس في مناحي الحياة والتفكير. فمن حقهم بل من واجبهم أن يكتبوا عن تجاربهم التي تعنيهم وتعنى القراء، سواء في حياتهم الخاصة أو في علاقتهم بأولئك القراء. لأن هذه التجارب أقرب إليهم وأمس بعملهم، وهي - بعد - موضوع كسائر الموضوعات.
ومن هذه التجارب التي تتكرر عندي في السنوات الأخيرة تجربة استهداء الكتب التي يطلبها من لا يستطيعون شراءها.
وإنما أكتب في هذا الموضوع عسى أن أصل منه إلى نتيجة ترضي المؤلفين والقراء وتعينني على تحقيق الغرض من كل تأليف، وهو الاطلاع الصحيح.
فمن الحقائق التي أعبر بها عن شعور جميع المؤلفين أنهم يحبون أن تصل كتبهم إلى من يفهمها ويتبصر معانيها. ويؤثرون القارئالواحد من هؤلاء على ألف قارئ يشترون الكتب لأنهم قادرون على شرائها، ثم يتصفحونها تصفح العابر الذي لا ينفذ إلى طواياها، أو يتخذونها زينة على الرفوف. وكأنهم نقلوها من تلك الرفوف إلى عالم القبور.
وأقرب الأمثلة إلى تصوير هذه الحقيقة مثل المغني الذي يصغي إليه سميع واحد من وراء الجدران، ولكنه يرى أمامه في قاعة الغناء ألف أصم يحملون التذاكر التي اشتروها بأغلى الأثمان. فإن ذلك المغني ليعنى بذلك السميع الواحد ولا يعنى بجموع هؤلاء الصم الكثيرين، وإن بلغ منه حب المال أشد ما يبلغه في نفس بخيل.
ولو كان كاتب هذه السطور من الأغنياء لما طبع كتاباً إلا خصص منه نصف النسخ على الأقل للقراء الذين ينقدون ولا ينقدون. . . ينقدون المعنى ولا ينقدون الثمن الكثير أو القليل، ولكني لست من الأغنياء.
ولست مع هذا أتولى طبع كتبي بنفسي، بل أكل طبعها إلى الناشرين الموكلين بهذا العمل، كما يفعل معظم الأدباء في مصر وفي الأقطار التي تأسست فيها صناعة النشر والتأليف.
وهنا العثرة كما يقول صاحبنا القديم شكسبير.
فإذا جاءني طلب من قارئ يحب الاطلاع على بعض كتبي ولا يملك ثمنها فليس في وسعي