(. . . . . أيتها القبة الرفيعة من المنار، لقد ظللت في
الماضي بيت الله. . .)
(هنري هين)
أرأيت سيدي السائح إلى مسجد قرطبة الجامع! أرأيت إلى تلك العُمُدِ المرمرية وقد نهضت على قباب فيحاء واسعة الأرجاء؟
أرأيت إلى مفاتن الفن العربي وقد راحت تطفو على القباب والحنايا والقناطر؟ أرأيت إلى سُوَرٍ من القرآن كيف أذابها الذكاء في شتى الألوان؟
في سبيل الله، وفي سبيل مجده الذي لا يبلى قام هذا الصرح المُشمَخر ثم تنَكَّر الزمن وجَهُمت نواحيه، فتنكرت الأشياء وجَهُمت المشاهد، وأرعد في الأفق الذي تسرب إليه صوت المؤذن حلواً صافياً، صوت النواقيس، وقام الرهبان يدعون في أغانيهم الشجية الكئيبة إلى المسيح في محراب كان بالأمس مزهواً بالمؤمنين، وامتلأت السُّوح بالدُّمى والتماثيل، وتقاصرت ظلال الشمس أمام أنوار شاحبة تريقها الشموع والمصابيح!
وقف (المنصور بن أبي عبد الله) في مسجد قرطبة تحت القبة المرمرية وهو يحدِّق إلى العُمُد والحنايا هادئا ناعم الجأش، ثم مضى يتخافت بصوته:
(أيتها القبة الرفيعة المنار، لقد ظللت في الماضي بيت الله، ثم عدت إليك فرايتك تظللين بيتاً غريباً، ثم أصغيت إليك، فإذا بك ترددين صلاة ما كانت لبناتك الأولين!
لقد هَدْهَد الزمن حماستك، وأطفأ كبرياءك، فجمدت على خطبك الكريه، وصبرت لبؤسك