للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بمناسبة عيد الجهاد الوطني:]

مراكش حية. . .!

للأستاذ عبد الكريم غلاب

في يوم ١١ يناير احتفلت مراكش بعيد جهادها الوطني، وهو يوم يقف فيه المراكشيون خاشعين أمام قبور شهدائهم الذين صرعتهم بنادق السينيغاليين ومدافع الفرنسيين. يقفون خاشعين ليتذكروا تلك الأيام السود التي حرصوا فيها المراكشيون من كل صوب، وسلط عليهم جحيم المادة، فلم يفقدهم صوابهم، ولم يثنيهم عن عزمهم في استرجاع استقلالهم من الذين استلبوه منهم بالقوة، فعبثوا به واستهانوا بقدسيته. ففي مثل هذا اليوم من سنة ١٩٤٤ أعلنت الأمة المراكشية مطالبتها باستقلالها، وقدمت لذلك مذكرة طالبت فيها بإلغاء الحماية الفرنسية على مراكش، وبإفساح المجال أمام الشعب ليسلك سبيله في الحياة الديمقراطية الحرة، وليتمكن من الانضمام إلى إخوانه العرب في الشرق.

ولقد كان لتقديم هذه المذكرة إلى جلالة ملك مراكش والحكومة الفرنسية وسلطات الحلفاء، ولما صاحبه من مظاهر العزم - التي بدت من الشعب - على تحقيق هذه المطالب؛ كان لكل ذلك أثره العميق في الدوائر الفرنسية، فقررت أن تقمع هذه الحركة بكل ما يبقى لها من قوة، وبكل ما يملك أبناؤها من عزيمة صارمة في الدفاع عما يسمونه إمبراطوريتهم. وتقابلت القوة مع الإيمان الأعزل، وكان من ذلك تلك المأساة المروعة التي يندى لها الضمير الإنساني الحي، والتي برع الفرنسيون في تمثيلها. مع العرب سواء في الشرق أو الغرب.

ولكن المراكشيين لم ترعهم هذه المأساة، فقد ألفوا ذلك منذ وطئت أقدام الفرنسيين أرضهم المقدسة في سنة ١٩١٢. فالمأساة الأخيرة ليست إلا فصلا من رواية الجهاد الوطني المراكشي الذي ابتدأ منذ ثلث قرن، والذي سينتهي لا محالة بفوز المراكشيين، لأنهم أصحاب حق، ولأنهم أهل لأن ينالوا هذا الحق. لقد دافع المراكشيون عن بلادهم يوم فرضت عليهم معاهدة الحماية، وواصلوا جهادهم في الجبال والغابات الجنوبية، ثم قام الأمير عبد الكريم الريفي يسترد أرض أجداده من الأسبانيين والفرنسيين، وما كاد يضع سلاحه حتى قام الجهاد السلمي ممثلا في الأحزاب والهيئات الوطنية التي انتهى بها

<<  <  ج:
ص:  >  >>