ج٦ ص٢١٠: قال أبو حيان: قال الصاحب بن عباد لأبي واقد الكرابيسي:
يا هذا، ما مذهبك؟ قال مذهبي أن لا أقر على الضيم، ولا أنام على الهون، ولا أعطي صمتي لمن لم يكن ولي نعمتي، ولم تصل عصمته بعصمتي. قال: هذا مذهب حسن، ومن ذا الذي يأتي الضيم طائعاً، ويركب الهون سامعاً؟ ولكن ما نحلتك التي تنصرها؟ قال: نحلتي مطوية في صدري، لا أتقرب بها إلى مخلوق، ولا أنادي عليها في سوق، ولا أعرضها على شاك، ولا أجادل فيها المؤمن. قال فما تقول في القرآن؟ قال: ما أقول في كلام رب العالمين الذي يعجز عنه الخلق إذا أرادوا الاطلاع على غيبه، وبحثوا عن خافي سره وعجائب حكمته، فكيف إذا حاولوا مقابلته بمثله، وليس له مثل مظنون فضلاً عن مثل متيقن. فقال له أبن عباد: صدقت. ولكن أمخلوق أم غير مخلوق؟ فقال: إن كان مخلوقاً كما يزعم خصمك فما يضرك، فقال: يا هذا، أبهذا تناظر في دين الله، وتقوم على عبادة الله؟
قلت: ضبطت (الهون) في (لا أنام على الهون)(ويركب الهون سامعاً) بالفتح وإنما هي بالضم. في الصحاح: الهون بالضم الهوان، وفي الكشاف في تفسير (أيمسكه على هون أم يدسه في التراب): على هون على هوان وذل، وقرئ على هوان. وقال في تفسير (اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق): الهون الهوان الشديد، وإضافة العذاب إليه كقولك: رجل سوء، يريد العراقة في الهوان والتمكن فيه.
و (الهون) بالفتح: السكينة والوقار كما في الصحاح. وفي الكشاف في تفسير (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما): الهون الرفق واللين.
(ولا أعطي صمتي لمن لم يكن ولي نعمتي) هي (ولا أعطي عصمتي) أي قيادي وزمامي. في التاج: قال محمد بن نشوان الحميري في (ضياء الحلوم): أصل العصمة السبب والحبل. وفي اللسان أصل العصمة الحبل وكل ما أمسك شيئاً فقد عصمه.