تكر الكهولة راجعة إلى الشباب الذي ولى عهده، أو الطفولة التي تقضى أوانها؟ كذلك الأمم لا وقوف في حياتها ولا رجوع، حتى تستنفد حيويتها ويبلغ أجلها مداه، كما يبلغ أجل الفرد مداه وكل ما هنالك من الفرق أنها لا تفنى فناء الفرد، بل يدركها ما نسميه الانحطاط، وليس يحفظها من الانقراض إلا دخول دماء جديدة فيها، فتصبح وكأنها تسربت في غيرها وغابت فيه، لأن هذا الغير أقوى وأزخر حيوية، فإذا لم يتح لها ذلك بادت كما بادت القرون الخالية.
من أجل هذا نؤثر أن نستبشر بالاعتراف القريب باستقلال شرقي الأردن، ويسرنا أن الله قد حقق لصاحب السمو الأمير عبد الله ما كان مأربه من أول يوم دخل فيه هذا البلد الطيب، فما دخله ليضعه تحت الانتداب البريطاني، بل ليستقل به ويكون ملكا عليه حراً فيه، غير أن المقادير جرت بخلاف ذلك، فالآن تم له ما أراد، أو بعضه، فله ما التهنئة، والرجاء المخلص أن يرى في هذا ما يغنيه عن التفكير في (سورية الكبرى)، فأن نجاح المسعى إذا اتجه إلى العراق أقرب منه إذا أتجه إلى سوريه.