كان الإمام المرشد حسن البنا طيب الله ذكره وذكراه يسلك الطريق الذي تسلكه (الرسالة) منذ عشرين سنة فكان لابد مما لا بد منه أن يلتقيا على جادته أو عند غايته.
وكان لقاؤهما الأول في مكتبي قبل أن يظهر أمر الرجل وتبلغ دعوته (الإخوان)، فوجدت فيه ما لم أجد في قبيله أو أهل جيله من إيمان بالله راسخ رسوخ الحق لا يزعزعه غرور العلم أو شرود الفكر، وفقه في الدين صاف صفاء المزن لا يكدره ظلال العقل ولا فساد النقل، وقوة في البيان مشرقة إشراق الوحي لا تحبسها عقدة اللسان ولا ظلمة الحس؛ إلى حديث يتصل بالقلوب، ومحاضرة تمتزج بالأرواح، وجاذبية تدعوك إلى أن تحب، وشخصية تحملك على أن تذعن. فقلت في نفسي بعد أن ودعني وشيعته:
عجيب! هذا الشاب نشأ كما ينشأ كل طفل في ريف مصر، وتعلم كما يتعلم كل طالب في دار العلوم، وعمل كما يعمل كل مدرس في وزارة المعارف؛ فعمن ورث هذا الإيمان، وممن اقتبس هذا البيان، ومن أين اكتسب هذا الخلق؟
أن الشذوذ عن قواعد البيئة الجاهلة، والنشوز على أنظمة المجتمع الفاسد، والسمو على أخلاق العصر الوضيع، لمن خصائص الرسول أو المصلح؛ فإن الله الذي يعلم حيث يجعل رسالته يريد أن يصنع النبي أو المصلح على عينه، ليظهره في وقته المعلوم ليجدد ما رث من حبله، ويوضح ما أشتبه من سبيله.
والفطرة التي فطر عليها حسن البنا، والحقبة التي ظهر فيها حسن البنا، تشهد بأنه المصلح الذي اصطنعه الله، لهذا الفساد الذي صنعه الناس.
ولم يكن إصلاحه رضوان الله عليه من نوع ما جاء به ابن تيمية وابن عبد الوهاب ومحمد عبده؛ فإن هؤلاء قصروا إصلاحهم على ما أفسدته البدع والأباطيل من جوهر العقيدة؛ أما هو فقد نهج في إصلاحه منهج الرسول نفسه: دعا إلى إصلاح الدين والدنيا، وتهذيب الفرد والمجتمع، وتنظيم السياسة والحكم؛ فكان أول مصلح ديني فهم الإسلام على حقيقته، وأمضى لإصلاحه على وجهه.
لم يفهم الإسلام الذي طهر الأرض وحرر الخلق وقرر الحق على إنه عبادات تؤدى،