للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأذكار تقام، وأوراد تتلى؛ وإنما فهمه كما فهمه محمد وعمر وخالد: نوراً للبصر والبصيرة، ودستوراً للقضاء والإدارة، وجهاداً للنفس والعدو.

وإذا كانت سنة الله أن يبعث الرسول أو يظهر المصلح مزوداً بالطب الناجع لوباء معين فشا، وفساد مبين عم، فإن الحال الأليمة التي تكابدها الأمة الإسلامية اليوم من ضعف في وطنها أطمع الاستعمار، وجهل أطفأ في قلبها العقيدة، وزيغ مال بوجهها عن السبيل، تقتضي أن تكون رسالة المصلح في هذا الزمن جارية على النهج الذي نهجه المرشد الأول للأخوان المسلمين!

ولقد كان هذا النهج الذي قبسه البنا من القرآن وعززه بالعلم، وأقامه على الإيمان وقرنه بالعمل، ونشره بالبيان وأيده بالمعاملة، كان من الجد والصدق والعزيمة بحيث زلزل أقدام المستعمر، وأقض مضاجع الطاغية، وخيب آمال المستغل؛ فتناصرت قوى الشر إلى الدعوة العظمى وهي تتجدد في مصر، كما تناصرت عليها وهي تولد في الحجاز.

وقضى الله أن يبتلى الأخوان فاغتيل الإمام وحوربت الدعوة واضطهدت الشيعة. ولكن الله عصمهم فلم ينقلب طريد على عقبه، ولم يفتن شهيد عن دينه!

ذلك لأن حسن البنا فكرة لا صورة، ومبدأ لا شخص. والفكرة الصالحة تنمو نماء النبت، والمبدأ الحق يبقى بقاء الحق. وما كان محمد صلوات الله عليه إلا باذر بذرة تعهدها من بعده صحابته، فخرج نباتها بإذن الله وزكا، ثم نما وسما، ثم أزهر وأثمر. وسيبقى ثمرها أبد الأبيد، على الرغم من سموم الريح وجدب التربة وعبث الآفة، شهي الجنا داني القطوف لمن سبقت لهم من ربهم الحسنى!

(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً، بل أحياء عند ربهم يرزقون) فرحين بغرسهم الذي فاحت أزاهيره، مغتبطين أن يروا من وراء الحجب الشفيفة دعوتهم تنتشر، وأمتهم تنتصر، وخطتهم تؤدى!

وأن القتيل الذي تتعطر المحافل بذكراه اليوم، ليبتسم ابتسامة الرضا وهو في مقامه الأعلى مع الشهداء والصديقين، إذ يرى دمه المطلول يحيي العقيدة، وجهده المبذول يوقظ الأمة!

أحمد حسن الزيات

<<  <  ج:
ص:  >  >>