للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[(كذلك) في القرآن الكريم]

للأستاذ أحمد أحمد بدوي

وردت (كذلك) في القرآن الكريم، في أكثر من مائة موضع. ولوجود الكاف، وهي للتشبيه، فيها ظن كثير من العلماء أنها لا تكون إلا للتشبيه ومضى في كل آية ورد فيها هذا التعبير، يبين التشبيه في الجملة، وفي كثير من الأحيان لا يبدو معنى التشبيه واضحاً، فيلتمس مقوماته، ويتكلف تفسيره تكلفاً. يوحي بضآلة هذا التشبيه، وأنه لم يزد المعنى جلاء، وهو الغرض الأول من التشبيه.

وقد تتبعت هذه العبارة فيما وردت فيه من الآيات، فوجدتها أكثر ما تأتي لمعان ثلاثة:

أولها التشبيه، وذلك عندما يراد عقد الصلة بين أمرين ولمح ما بينهما من ارتباط، وهنا يؤدي التشبيه رسالته في إيضاح المعنى وتوطيده في النفس، تجد ذلك في قوله تعالى: (وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته، حتى إذا أقلت سحاباً ثقالاً سقناه لبلد ميت، فأنزلنا به الماء، فأخرجنا به من كل الثمرات، كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون)؛ فالصلة وثيقة بين بعث الحياة في الموتى، وبين بعث الحياة فيالأرض الميتة، فتنبت من كل الثمرات. وإن فيما نراه بأعيننا من هذه الظاهرة الطبيعية التي نشاهدها في كل حين، إذ نرى أرضا ميتة لا حياة فيها، ثم لا يلبث السحاب الثقال أن يفرغ عليها مطره، فلا تلبث أن تزدهر، وتخرج من كل زوج بهيج - إن في ذلك لما يبعث في النفس الاطمئنان إلى فكرة البعث، والإيمان بها، فلا جرم انعقد التشبيه بين البعثين، وزاد التشبيه الفكرة جلاء.

واقرأ قوله تعالى: (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الحنة، إذ أقسموا ليصر منها مصبحين، ولا يستثنون، فطاف عليها طائف من ربك، فأصبحت كالصريم، فتنادوا مصبحين، أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين، فانطلقوا وهم يتخافتون، ألا يدخلنها اليوم عليكم مسكين، وغدوا على حرد قادرين، فلما رأوها قالوا: إنا لضالون، بل نحن محرومون، قال أوسطهم: ألم أقل لكم لولا تسبحون، قالوا: سبحان ربنا، إنا كنا ظالمين، فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون، قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين، عسى ربنا أن يبدلنا خيراً منها إنا إلى ربنا راغبون، كذلك العذاب، ولعذاب الآخرة أكبر، لو كانوا يعلمون)، أرأيت أصحاب هذه الجنة وقد أقسموا أن يستأثروا بثمر جنتهم، وأن يجنوا ثمارها مبكرين في الصباح، ولم يدر

<<  <  ج:
ص:  >  >>