وهذا الصوت هو ديوان الأمير تميم بن الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، وهو كما يعرف الأدباء أمير شعراء مصر في العصر الفاطمي. ويمكننا القول بأن تميما هذا كان مبدأ حياة خصيبة عامرة نشأ في وقت واحد مع القاهرة. وكان الشعر في مصر بما نعلمه عن الضعف والقلة والندرة، إذ كان العصر العباسي الثاني حافلاً بدويلات مختلفة شبه مستقلة، وكان الشعر فيها يصيب تشجيعاً من أمراء العرب كدولة بني حمدان. إلا أن الحياة في مصر كانت طوفاناً مضطرب الأمواج بين أيدي رسل الخليفة من الأتراك الذين لم يكن الشعر العربي يلقي حياته المعروفة عندهم بحكم تباين اللغة والمنزع. لهذا كان يلجأ الشعراء إلى غير مصر ويلتمسون لأنفسهم الحياة والرقي في الشام وبغداد، بينما كانت اللغة الفارسية تلتمس في ذلك العهد نهضتها وانبعاثها في الدولة السامانية والغزنوية فإذا ما أتيح للفاطميين أن يقيموا دولتهم الكبرى في وادي النيل فنحن أمام دولة عربية هاشمية تحمي اللغة كما تحمي كتابها ودينها، ففي عصر الفاطميين أخصب البيان العربي وانفسح الميدان للشعراء يتبارون في قرض قصائده وعرض فرائده، أمكننا أن نسمع مائة شاعر في رثاء بعض الوزراء ينشدون جميعاً وينالون الجائزة جميعاً، فيجيدون من أربحية الفاطميين وسعة نائلهم ما يشجعهم على القول يدفعهم إلى الإجادة. ولكن لماذا يحدث صاحب العمدة والثعالبي وغيرهما عن تميم والجميع قد أجمعوا أو كادوا يجمعون على أن تميما كان على عرش الإمارة في الشعر كما كان أبوه وأخوه على عرش الخلافة في مصر. الحق أن للسياسة دخلاً كبيراً في السطو على تميم وحرمان أبناء العربية أدهاراً طوالاً من ثمار تفكيره، فقد كان شعر تميم ضمن مخلفات ذلك البيت المالك، وفي خزانة القصر الفاطمي التي كانت حافلة بمئات الألوف من الذخائر الأدبية والنفائس الفلسفية والعلمية، ونحن نسمع من التاريخ أحاديث متشعبة الأطراف عن الأحداث الجسام التي انتابت هذا القصر في كتبه وفي جواهره بل في أهله ومشيديه، وكان الأمر بعد عصر الحاكم نهباً في أيدي الثورات المتتابعة بين الجيوش السودانية والتركية من جهة والمصرية من جهة أخرى، وأصيب الملك كله بأزمة جائحة وصدمة فاجعة تركت القصر نهباً والكتب سلباً. ثم جاء بعد ذلك