بعد أول اجتماع بين تشرشل وروزفلت ألقى تشرشل خطبة في مجلس العموم، قال فيها إنهما اتفقا على أن يكون في العالم هيئتان دوليتان كبريان تحلان محل جامعة الأمم المرحومة: الأولى غربية لجميع دول أوربا وأمريكا. والثانية شرقية على مثالها. والهيئة الأولى تؤلف من روسيا وإنجلترا والولايات المتحدة كدول أساسية، ثم تنضم إليها الدول الأخرى تابعة أو ثانوية لها. ولم يقل شيئا عن الشرقية.
ووافق ستالين على هذا.
ومن ثم نشأت عبارة (الأقطاب الثلاثة) فقلنا حينئذ إن هذا النظام هو تحالف ثلاثة ضد العالم كله لأنه فهم من نحو تلك الخطبة أن الكلمة النافذة في تلك الهيئة الغربية هي لهذه الدول الثلاث وأن للدول الصغرى رأياً استشارياً فقط. فما تقرره دول الأقطاب ينفذ.
ولما صدر ميثاق سان فرانسيسكو الأخير وفيه دستور (مجلس الأمن) ظهر أيضاً أن الرأي الأول الأعلى هو لهؤلاء الدول الثلاث. وأما سائر دول الاتحاد الدولي وعددها ٤٨ دولة فتعتبر ثانوية ورأيها ثانويا. وقد أضيف إلى الدول الثلاث الرسمية فرنسا والصين. وبهذه الإضافة سقط مشروع (الهيئة الدولية الشرقية) التي نوه بها تشرشل في خطبته المشار إليها. وكان يظن أن الصين تكون رئيسة هذه الهيئة الشرقية.
وقد ألحقت الصين وفرنسا بهذا المجلس كدولتين دائمتين كدول الأقطاب الثلاثة لا لأنهما دولتان كبريان فلابد من أن يحسب حسابهما إذا اختلفت دولات الأقطاب فتعدلان الميزان - ليس لهذا السبب فقط، بل لأن فرنسا المخلفة التي قومتها إنجلترا على قدميها، وهي على أنف ألمانيا من جهة الغرب، لازمة لكل من الدولتين روسيا وإنجلترا اللتين تخشيان مناوءة ألمانيا لهما إذ استطاعت أن تعود إلى المناوءة. ولهذا تجاذبتها روسيا من ناحية وإنجلترا من ناحية أخرى كل منهما تخطب ودها. فغريب أن قوتين تتنافسان في الالتجاء إلى ضعيفة. فمن حسنات الخلاف القائم الآن بين الأقطاب أو من مساوئه أن الضعيفة استقوت وتدللت وعادت تشمخ بعد أن تمرغ أنفها في حمأة الذل والهوان.
وأما الصين فتجاذبتها دول الأقطار جميعاً لأنها المرعى الخصيب للاستعمار التجاري فلابد