لقد أصبح علم الطبيعة من العلوم التي لها اتصال وثيق بالحياة، وشأن عظيم في تقدم المدنية الحديثة القائمة على الاختراع والاكتشاف، ولا نكون مبالغين إذا قلنا إن علم الطبيعة هو الأسّ الذي شيد عليه صرح الحضارة الحالية. وهو لم يتقدم تقدماً محسوساً إلا حينما أشرف القرن التاسع عشر للميلاد على ختامه. وفي هذا القرن - القرن العشرين - دبت إليه عوامل التحول واعتنى به علماء عصرنا عناية فائقة، فأنشئوا المختبرات وأنفقوا عليها المبالغ الطائلة، وبلغوا في إتقانها درجة كبيرة استطاعوا بواسطتها أن يحلوا بعض المشاكل العلمية، وأن يجيبوا على مسائل كثيرة غامضة؛ وظهرت من ذلك عجائب الكون بصورة أوضح وأتم، واستخدم الإنسان ما اكتشفه من نواميس الطبيعة والحياة فيما يعود عليه بالتقدم والرقي، فلولا بعض هذه النواميس ولولا فهمه إياها فهماً مكنه من الاستفادة منها لما كانت السابحات في السماء والعائمات على الماء، ولما كان في الإمكان الغوص إلى أعماق البحار وجعل المولدات والمحركات الكهربائية في متناول الإنسان، ولما استطاع أن يطوق القارات بالأسلاك الكهربائية، وأن يملأ الجو بعجيج الأمواج اللاسلكية، وقد حملت على أجنحتها الأنباء والأخبار والحوادث. . . ولما نمت الصناعة هذا النمو الغريب. وازدهرت هذه الازدهار العجيب. وعلى كل حال يمكن القول إنه بفضل البحث العلمي وبفضل ما اكتشفه الإنسان من القوانين الطبيعية وعلاقاتها مع بعضها سيطر الإنسان على عناصر الطبيعة هذه السيطرة القوية، سيطرة جعلته يعمل من المستنبطات قوى يستخدمها في قضاء مآربه المتنوعة المتعددة، ويخضعها لتقوم بأعمال المدينة الحديثة المختلفة المعقدة، سيطرة أحدثت انقلاباً بعيد الأثر خطير الشأن في الحياة والحضارة. . . إن علم الطبيعة وهذا شأنه وتأثيره وهذه خطورته لجدير بنا أن نهتم وأن نتعرف عليه ونقف على تطوره وتاريخه وأثر الأمم في تقدمه، ويهمنا بصورة خاصة أن نعرف مآثر أسلافنا وما أحدثوا فيه النظريات والآراء. وسنتناول في هذا المقال المجهود العربي في علم الحيل - أي علم الميكانيكا - محاولين تبيان فضلهم عليه وما قدموه من جليل الخدمات في هذا الميدان
. . . إن علم الطبيعة من العلوم التي اعتني بها الأقدمون فقد كان معروفاً عند علماء