اليونان، وإليهم يرجع الفضل في اكتشاف كثير من مبادئه الأولية ولهم مؤلفات عديدة ترجم العرب أكثرها. ولم يكتف العرب بنقلها بل توسعوا فيها وأضافوا إليها إضافات هامة تعتبر أساساً لبعض المباحث الطبيعية. وهم الذين وضعوا أساس البحث العلمي الحديث وقد قويت عندهم الملاحظة وحب الاستطلاع، ورغبوا في التجربة والاختبار فأنشئوا (المعمل) ليحققوا نظرياتهم وليتأكدوا من صحتها. ومن الفروع التي أصابها شيء من اعتناء العرب واهتمامهم بحوث الميكانيكا أو علم الحيل، ومع أنهم لم يبدعوا فيه إبداعهم في البصريات إلا أنهم استنبطوا فيه بعضاً من المبادئ والقوانين الأساسية التي كانت من العوامل التي ساعدت على تقدمه ووصوله إلى درجته الحالية. لقد ترجم العرب كتب اليونان في الميكانيكا ككتاب الفيريكس لأرسطوطاليس، وكتاب الحيل الروحانية، وكتاب رفع الأثقال لايرن، وكتاب الآلات المصوتة على بعد ستين ميلاً لمورطس، وكتب هيرون الصغير في الآلات الحربية، وقطيزنيوس وهيرون الإسكندري في الآلات المفرغة للهواء والرافعة للمياه وغيرها. اطلع العرب على هذه المؤلفات ودرسوها ووقفوا على محتوياتها ثم أخذوها وأدخلوا تغييرات بسيطة على بعضها وتوسعوا في البعض الآخر، واستطاعوا بعد ذلك أن يزيدوا عليها زيادات تعتبر أساساً لبحوث علم الطبيعية المتنوعة. وليس في الإمكان أن نجول كثيراً في هذه العجالة حول مآثر العرب في الميكانيكا، ولكن سنأتي على ذكر شيء من مجهوداتهم فيه وما قدموه من الخدمات لهذا الفرع من المعرفة، وما كان لهذه المجهودات ولتلك الخدمات من أثر بيّن في تقدمه ورقيه.
لقد كتب العرب في الحيل، وأشهر من كتب في هذا البحث محمد وأحمد وحسن أبناء موسى بن شاكر (ولهم في الحيل كتاب عجيب نادر يشتمل على كل غريبة، ولقد وقفت عليه فوجدته من أحسن الكتب وأمتعها وهو مجلد واحد. .)
وهي - أي الحيل - شريفة الأغراض، عظيمة الفائدة، مشهورة عند الناس ويحتوي هذا الكتاب على مائة تركيب ميكانيكي عشرون منها ذات قيمة عملية. وكان علماء العرب يقسمون علم الحيل إلى قسمين: الأول منهما يبحث في بحر الأثقال بالقوة اليسيرة وآلاته. والثاني في آلات الحركات وصنعة الأواني العجيبة. وألّف العرب في علم مراكز الأثقال، وهو (علم بتعرف منه ثقل الجسم المحمول، والمراد بمركز الثقل حد في الجسم يتعادل