لا يستطيع أحد من الذين يعنون بالعلوم الطبيعية والفلكية تبسيط بحوثها إلا إذا كان مالكا لناصيتها ضليعاً في اللغة واقفاً على أسرارها. فليس من السهل تقديم الموضوعات العويصة في قالب خال من التعقيد والغموض، كما أنه ليس من السهل أيضاً وضع النظريات والقوانين الكونية وما يتصل بها من ظواهر وحركات في أسلوب يستسيغه أصحاب الثقافة العامة وجمهور المتعلمين.
قد يتمكن الفلكي من أن يكتب مقالاً في النظام الشمسي لأمثاله من الذين يهتمون بالفلك والطبيعة، وقد لا يجد في ذلك صعوبة أو مشقة، ولكن إذا أراد أن يكتب للناس وللذين لا يعرفون شيئاً في الفلك، فهنا يجابه صعوبة وعناء في تقريب هذا البحث إلى أذهان القراء وجعله في متناول أفهامهم، وليس من الهين التغلب على هذا العناء وتلك الصعوبة.
ولهذا، فقليلون هم الذين يوفقون في عرض بحوث العلوم الدقيقة والعويصة (كالفلك والرياضيات والطبيعيات) في لغة سلسلة سهلة المأخذ بعيدة عن الغموض والإبهام.
ولقد امتاز السير جيمس جينز في هذه الناحية فبرز على غيره من علماء هذا العصر. ولا نكون مبالغين إذا قلنا إنه أول من استطاع أن يقرب بحوث الفلك إلى الأذهان، وأول من حبب الناس في الفلك وموضوعاته.
وضع العلماء كثيراً من المؤلفات الفلكية التي تتناول النظام الشمسي والنجوم وحركاتها وما يجري في الكون من ظواهر.
ولكن هذه الكتب خاصة بطبقة الذين يدرسون الفلك أو الذين يهتمون به، لا يجد فيها غيرهم متاعاً أو لذة. وجاء في هذا القرن السير جينز وخط طريقاً جديداً مبتكراً في التأليف فأخرج كتباً فلكية وجد فيها الناس على مختلف ميولهم العلمية متاعاً ولذة وطرافة وفائدة، فكثر الإقبال عليها وذاع صيته ودعته الإذاعات اللاسلكية لتحقيق رغبة الجمهور في إذاعة أحاديث فلكية لاقت كل الإقبال وجرى على طريقته بعض العلماء فحاولوا أن يبسطوا العلوم الطبيعية فوفقوا في ذلك بعض التوفيق، ولكن لم يصلوا إلى درجته من حيث