للمؤرخين روايات ونوادر كثيرة بشأن بعض جبابرة الناس الذين أوتوا من ضروب القوى البدنية، ما أبقت لهم ذكراً وشهرة في صحائف الكتب. ونحن نأتي في هذا المقال بشيء مما انتهى إلينا من طرائف أخبارهم في ميادين البطولة. فمن ذلك ما ذكر عن مبلغ قوة الأمين، سادس خلفاء بني العباس (١٩٣ - ١٩٨=٨٠٩ - ٨١٣ م) من أنه كان (في نهاية القوة والشدة والبطش والبهاء والجمال، إلا أنه كان عاجز الرأي ضعيف التدبير غير مفكر في أمره، ويروى أنه اصطبح ذات يوم وقد كان خرج أصحاب اللبابيد والحرب على البغال، وهم الذين كانوا يصطادون السباع، إلى سبع كان بلغهم خبره بناحية كوني والقصر، فاحتالوا في السبع إلى أن أتوا به في قفص خشب على جمل بختى، فحط بباب القصر وأدخل، فمثل في صحن القصر والأمين مصطبح. فقال شيلوا باب القفص وخلوا عنه، فقيل له: يا أمير المؤمنين، إنه سبع هائل أسود وحش، فقال: خلوا عنه، فشالوا باب القفص، فخرج سبع أسود له شعر عظيم مثل الثور، فزأر وضرب بذنبه الأرض، فتهارب عنه الناس، وغلقت الأبواب في وجهه، وبقى الأمين وحده جالساً في موضعه غير مكترث بالأسد، فقصده الأسد حتى دنا منه، فضرب الأمين بيده إلى مرفقة أرمنية وامتنع منه بها، ومد السبع يده إلى الأمين، فجذبها الأمين وقبض على أصل أذنيه وغمزه ثم هزه ودفع به إلى الخلف، فوقع السبع إلى مؤخرة ميتاً. وتبادر الناس إلى الأمين، فإذا أصابعه ومفاصل يده قد زالت عن مواضعها، فأوتى بجابر، فرد عظام أصابعه إلى مواضعها، وجلس كأنه لم يعمل شيئاً. فشقوا بطن السبع، فإذا مرارته قد انشقت على كبده)
ونظير ذلك ما عرف من تناهي قوة الخليفة العباسي المعتصم (٢١٨ - ٢٢٧=٨٣٣ - ٨٤٢م)، فإنه (لم يكن في بني العباس من قبله أشجع منه ولا أتم تيقظاً في الحرب ولا أشد قوة. قيل أنه اعتمد بإصبعه السبابة والوسطى على ساعد إنسان فدقه. وكان يلوي العمود الحديد حتى يصير طوقا، ويشد على الدينار بإصبعه فيمحو كتابته)
ومثل ذلك ما تناقله بعض المؤرخين بصدد قوة المعتصم ومتانة جسمه، وإليك الخبر: (قال ابن أني دؤاد: كان المعتصم يخرج ساعده إلى ويقول: يا أبا عبد الله، عض ساعدي بأكثر