وكان الشيخ محمد عبده يرى أن ما نجحوا فيه من ذلك يجب أن يكون وسيلة لا غاية، لأن الإصلاح الحقيقي لا يصح أن يقف عند هذه الحدود، بل يجب أن يتعداها إلى فتح الأذهان المقفلة في الأزهر، وكسر قيود التقليد في العلوم القديمة، حتى تدخلها آثار التجديد، وتخلع تلك الأثواب البالية، وتعود إلى ما كانت عليه علوماً تفتح العقول، وتربي العلماء المجددين، والأئمة المبرزين. وقد سأله السيد محمد رشيد رضا عن رأيه فيما قاموا به من إصلاح الأزهر، فذكر أنه لم يحصل شيء من الإصلاح يذكر إلى ذلك الوقت، وأنه أراد أن يبدأ بأعمال عظيمة في الإصلاح اغتناماً للفرصة، فأشير عليه بوجوب التدرج في الإصلاح، وأنه لابد له من المسايرة، وإن كان يخشى أن تضيع الفرصة بما يسمونه التدرج
وقد أتى القوم بعد الأستاذ الإمام فساروا في ذلك على أنه غاية لا وسيلة، ووقفوا عند هذه الحدود التي لا يصح أن يقف عندها الإصلاح، فلم ينهضوا بالأزهر إلى ما يرجى له في هذا العصر، وبقيت علومه القديمة في أثوابها البالية التي تزهد الناس فيها، وتجعلها مماحكات لفظية لا فائدة في دراستها. وقد نبهتهم إلى ذلك بكتابي (نقد نظام التعليم الحديث للأزهر الشريف) فقامت علي قيامتهم، ولم تهدأ ثائرتهم إلا بعد أن أنزلوا بي من العقاب ما أنزلوا، وكانوا يريدون عزلي من المعاهد الدينية، فتداركني لطف الله تعالى، وبقيت إلى وقتنا هذا مخلصاً لعقيدتي لا يثنيني عنها ما يفوتني بسبب إخلاصي لها
وقد أراد أستاذنا الشيخ المراغي في عهده الأول أن يصل بالإصلاح إلى هذه الغاية التي أرادها الأستاذ الإمام، وأن يخطو في الإصلاح خطوة جريئة يقصد بها وجه الله تعالى، ولا يبالي بما تحدثه من ضجة وصريخ، فقد قرنت كل الإصلاحات العظيمة في العالم بمثل هذه الضجة، ولكنه اعتزل منصبه بعد فترة وجيزة
وهاهو ذا قد عاد إلى منصبه مرضياً عنه كل الرضا من ولي الأمر، فما عليه إلا أن يستغل الفرصة السانحة كما استغلها الأستاذ الإمام، ويستدرك بها ما فاته في المرة الأولى، وقد هيئت له أسباب النجاح، ومد له في منصبه حتى ذلت له العقبات، وزال ما كان يعترض تلك الخطوة الجريئة في الإصلاح