الإصلاح ما بذلوا، ولكن التضحية وحدها لا تفيد في القضاء على التعصب، وإنما يفيد في ذلك القوة الغالبة، والسلطان القاهر، والتاريخ على ذلك شاهد عادل
ومن ينظر إلى بدء الإصلاح في الأزهر يجده لم يتم إلا بتلك القوة، ولم يأخذ سبيله فيه إلا بعد أن تدخلت الحكومة في أمره، وقد كان تدخلها في ذلك بعد أن لجأ إليها المصلحون من رجال الأزهر، وأقنعوها بصواب ما يدعون إليه من الإصلاح، ولولا تدخلها في ذلك ما خطا الأزهر في الإصلاح تلك الخطى، ولبقى إلى وقتنا قابعاً في عزلته، راضياً بالانكماش الذي كان راضياً به، ولم يكن هذا الانكماش في شيء من ديننا، وإنما هو من الرهبانية التي أباها الإسلام لأهله
وكان الذي قام بإقناع الحكومة بذلك هو الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، فقد ذكر السيد محمد رشيد رضا في تاريخه أنه لما جلس عباس باشا حلمي على كرسي الخديوية تجددت للبلاد المصرية آمال، وتوجهت إلى أعمال يقصد منها إزالة الاحتلال، وكان الشيخ محمد عبده يرى أن إزالة الاحتلال لا يمكن أن يحل بوسيلة السياسة إلا باتفاق الدول، وأن الرجاء في اتفاقهم على ذلك بعيد، فأراد أن يكون حظه من حب الخديو للعمل السعي في إصلاح الأزهر والمحاكم الشرعية والأوقاف، فاتصل به وحظي عنده وكاشفه برأيه في إصلاحها، فقال له: إن لدى أفندينا هذه المصالح الثلاثة العظيمة، فيمكنه أن يصلح الأمة كلها بإصلاحها، وهي دينية ويجب المبادرة بإصلاحها. ثم ذكر له كليات هذا الإصلاح، ولم يخرج من عنده حتى أقنعه به
فمن هذا الوقت أخذت الحكومة في إصلاح الأزهر، وقد بدأت أولاً بتأليف مجلس إدارة للأزهر مؤلف من أكابر علماء المذاهب الأربعة، وأضيف إليهم الشيخ محمد عبده والشيخ عبد الكريم سلمان على أنهما عضوان من قبل الحكومة، فسار هذا المجلس بهمه صادقة في إصلاح الأزهر، وسلك في ذلك سنة التدرج ليأمن الاصطدام بأعداء الإصلاح، ويأخذ الأزهريين به شيئاً فشيئا، وكانت الحكومة من ورائه ترعاه بالمساعدة، وتصد عنه كيد هؤلاء الأعداء، وتأخذهم بالشدة إذا جنحوا إلى الثورة، حتى لانوا واستكانوا. ونجح هذا المجلس في إقامة الدعائم الأولى للإصلاح، فألف أهل الأزهر النظام في أعمالهم ودروسهم، وأقبلوا على دراسة العلوم الحديثة التي كانوا ينفرون من دراستها