قرأت مقال الأستاذ أبي خلدون ساطع الحصري بك المعنون (تحية العلم) المنشور في (الرسالة) العدد ٧٨٦ يحدثنا فيه عن واجب الاحترام للعلم ويأسف لإهمال إخواننا المصريين تأدية ذلك الواجب على الوجه الرائع المألوف عند أهل جزيرة كافو فقلت لنفسي: إن من الطبيعي أن يتأثر كل من يشاهد ويلاحظ ذلك الفرق بين تقاليد الشعبين كما تأثر به الأستاذ الفاضل ولكن أو ليس أحرى بنا نحن الشرقيين المسلمين إن نطيل الفكر في مثل هذه الفروق حتى ندرسها درساً وافيا ونستخلص روح الحياة الغربية فنتعظ وننتفع بها دون أن ننقل مظاهرها إلينا فنتسلى ونغالط أنفسنا بمجاراة الأمم الراقية؛ ما من شك أن حياتنا في الوقت الحاضر منحلة تماماً غير منظمة ولا منسقة ونحن نحتاج إلى كثير من الإصلاح في عوائدنا وأخلاقنا ولا بأس بأن يجئ الاحتكاك بالأمم الأخرى كحافز لنا على الجد والعمل في سبيل التقدم والرقي ولكن يجب قبل كل شئ أن نأخذ حيطتنا لئلا يتحول شعورنا بالتأخر إلى الشعور بمركب النقص فيكون كالكابوس الجاثم على أفكارنا وعقولنا حتى ينسينا أننا أمة لها ماض مجيد ولا يتأتى لها التقدم إلا بالرجوع إلى ماضيها ووصل حاضرها به. هذه هي المرحلة التي يقول الدكتور إقبال الحكيم الشاعر الهندي المعروف، إن كثيراً من الشعوب الشرقية فشلت في اجتيازها فإنها لما روعها تغلب الغربيين عليها وبهر أعينها تقدمهم في ميادين الحياة المختلفة، بدأت تنشد وتتلمس أسباب هذه القوة الظاهرة والتقدم الباهر فظنت أن تلك الأسباب لا تعدو اللادينية والحروف اللاتينية ولبس البرانيط وتمزيق البراقع وتأبط ذراع الحليلات في الشوارع ومداعبة الخليلات في الأندية والحفلات وما إلى ذلك من مظاهر الحياة الغربية التي لا تمت بصلة لا قريبة ولا بعيدة إلى تقدم الغربيين وقوتهم وشوكتهم.
مضت الأمم الشرقية تتهافت على تلك المظاهر تهافت الفراش على النار وتنقلها بحماسة بالغة وفي بعض الأحيان بقوة وعنف إلى أرضها وديارها ظناً منها أنها تجاري بهذا الطريق الأمم الراقية كأن طريق الرقي والتقدم كله هزل ومتعة ولذة!.