يتخذ الصراع الأوربي كل يوم مظهراً جديداً، وتطغي الحرب
الأوربية على كل ما عداها، فاشتداد وطأتها وسرعة تطوراتها
قد أكسباها خطورة، وحولا إليها اهتمام العالم وتفكيره.
وإلى جانب هذا الصراع نضال آخر قد اتصلت أسبابهما: ذلك هو النضال القائم بين أمريكا واليابان، وإنه وإن لم يكن قد دخل للآن في طور القتال إلا أنه على أشده. ووراء هذا النضال برنامج من التسلح لا يقف عند حد. فالأمتان تستبقان في هذا الميدان. وإذا عرفنا أنهما دولتان بحريتان يؤلف الأسطول خط دفاعهما الأول، فسيكون البحر مسرحاً فسيحاً لنضال عنيف بين الأسطوليين يرغم فيه القوي الأضعف على التخلي عن الميدان تاركاً له السيادة والسيطرة.
ولذا نجد جل اهتمام الدولتين وجهودهما مركزاً في تقوية بحريتهما، فكلتاهما تخصص الملايين لزيادة أسطولها وتقويته وجعله أكثر تفوقاً على خصمه. وليس أدل على هذا الاهتمام من أنه لم تكد تمضي ساعتان على توقيع الرئيس روزفلت اعتماد خمسة ملايين دولار لتعزيز البحرية الأمريكية، حتى أعلن القائمون بأمر التنفيذ أنه قد تم التعاقد مع الشركات التي ستتولى بناء السفن.
أخذت اليابان في السنوات الأخيرة تقفو آثار السياسة الأوربية وتتبع خطاها، واضعة نصب عينيها أن يكون لها من وراء كل أزمة أوربية ربح ومغنم. وأخذت أمريكا ترقب عن كثب تطورات السياسة الأوربية، مسترشدة بها في توجيه سياستها. وهكذا رأينا الدولتين تسيران حسب ما تمليه عليهما تلك السياسة، ولكن هناك تباين واضح بين السياستين.
فالولايات المتحدة دولة قد خلت سياستها من كل مطمع استعماري، ويهمها أن يسود السلام بقية الدول، حتى تجد فيها أسواقاً رابحة لتجارتها. وقد رأت أيضاً أن مبادئها التي طالما نادت بها في الحرب الكبرى الماضية كقواعد ثابتة للسلم لم يحققها رجال السياسة الأوربية،