فضلاً عن أنها لم تسترد ما لها من الديون عند الدول التي اقترضت منها في الحرب الماضية. أضف إلى ذلك أن الشعب الأمريكي شعب قد أشبعته سياسة بلاده بمبادئ السلام، فاتجه بجهوده وتفكيره إلى ميادين العمل السلمية، فضرب بسهم رابح في نواحي النهضة المختلفة علمية كانت أم فنية؛ وساعده على ذلك ما تتمتع به بلاده من ثروة طبيعية ومالية. لذلك كانت سياستها بعيدة عن التوسع والاستعمار.
أما اليابان، فإمبراطورية حديثة النشأة. الاستعمار أهم عوامل نهضتها، كما أن صغر مساحتها بالنسبة لعدد سكانها أملى عليها ضرورة إيجاد مساحات جديدة لهذا العدو المتزايد. وإذا كانت أمريكا قد ارتضت مبدأ (أمريكا للأمريكيين)، فإن اليابان يعز عليها أن تجد في آسيا شعوباً غريبة عنها، فينادى ساستها كذلك أن (آسيا للآسيويين). ناهيك بأن اليابان لا تجد في بلادها كثير من الخامات التي تلزم صناعتها. لهذا رأيناها توجه سياستها إلى الناحية الاستعمارية. فإذا كانت هذه هي سياسة اليابان، فإنه لم تكد تخلق لها الحوادث الأوربية فرصة إلا اقتنصتها وخطت في سبيل تحقيق سياستها خطوات واسعة. ففي يونيو سنة ١٩٤٠، حين انهارت المقاومة الفرنسية وبقيت بريطانيا بمعزل تواجه أشد الغارات الألمانية، كانت هذه - بلا شك - فرصة سانحة لليابان لتحقيق مآربها. فأظهرت لبريطانيا رغبتها في إقفال طريق بورما الذي يأتي منه المدد لجنود الجنرال الصيني شان كاي شيك، وطلبت منها أيضاً سحب جنودها من المدن الصينية؛ واتبعت في تنفيذ رغبتها العنف، واضطرت بريطانيا في ذلك الوقت أن تنزل على رغبتها، فأجابتها إلى ما طلبت. ولم يمض على ذلك وقت طويل حتى عادت اليابان فطالبت الحكومة الفرنسية باحتلال بعض مناطق الهند الصينية والسماح لجيوشها بالمرور منها إلى الصين. وبعد مناوشات واصطدامات ومفاوضات خضعت الحكومة الفرنسية للمطالب اليابانية، فزحفت قوات اليابان إلى الهند الصينية لمهاجمة جنود الجنرال شاي كاي شيك في ميدان جديد، كما اتخذت بعض الوحدات اتجاهها نحو سيام فهددت بذلك القواعد الإنجليزية في سنغافورة، وكذلك جزر الهند الشرقية الهولندية التي تعتمد عليها الولايات المتحدة في استيراد المطاط والقصدير اعتماداً كبيراً، كما هددت جزائر الفليبين الواقعة تحت الحماية الأمريكية والتي لا تبعد عن الهند الصينية أكثر من ستمائة ميل.