أمران هما اللذان حركا فكري لأن أتناول بالكتابة هذا الموضوع. وكلا الأمرين من وحي الثورة المباركة، كما أعتقد أن الغاية التي يحققها هذان الأمران وأمثالهما، هي من أهداف ثورتنا، أو يجب أن تكون من أهدافها.
أول الأمرين ما سمعته أذناي، عرضاً، وأنا أسير إلى جوار رجلين من عامة الشعب. فقد سمعت أحدهما يقول لصاحبه: الآن لا كبير ولا صغير، ولا سيد ولا عبد، فيجب أن تطلب حقك، وتشكو ظلمك، وأنت مطمئن شجاع. وقد أحسست في نفسي شعوراً بالعزة، والرضى إذ أجد هذا الإحساس الذي هو وليد الثورة بلا شك، في قلوب المهضومين من أبناء الوطن.
ولكني وددت لو أستطيع أن أقول لهذين المتحدثين وأمثالهما من الناس، أنه لا يوجد الآن سيد ولا عبد حقاً، ولكن يوجد ويجب أن يوجد دائماً، كبير وصغير، فهذه هي الحياة. وهكذا خلق الله الناس. ولكنه أمرهم أيضاً أن يرعى كل حق أخيه. فحق الصغير على الكبير البر والمودة والمواساة. وحق الكبير على الصغير، العرفان، والمحبة.
أما ثاني الأمرين، فهو ذلك الخطاب الذي قرأته، عرضاً أيضاً، والذي ترسله الهيئة المشرفة على توزيع معونة الشتاء.
فقد جاءت إلى امرأة فقيرة، معدمة، عمياء. تمد يدها تحمل ورقة. وعلى وجهها الأسود البائس شيء من أمل وشيء من سرور. وقرأت ما احتوته هذه الورقة من سطور فإذا هي قليلة الكلمات، ولكنها تحمل من الدلالات، والمعاني ما ليس بالقليل. وما بلل عيني بالدمع، بعد أن تلوثه.
كان كتاباً جاءها من المشرفين على توزيع هذه المعونة يطلب إليها أن تذهب إليهم في مقرهم. وليس في هذا كله شيء جديد، ولا أمر يستحق أن يكتب فيه. ولكن صيغة الكتاب هي التي تحمل من المعاني والدلالات، كما قلت، شيئاً كثيراً. فهي تدعوها، وأندادها من الفقراء، الذين لم يكن يدعوهم أحد، (بالمواطن). وهي، أي لجنة الإشراف على التوزيع، (تتشرف) بدعوتها فقط، وفي ذلك من الرقة، وحسن اللياقة، والأدب في الخطاب، ومراعاة