الشعور الإنساني ما فيه، وما ليس يخفى. ثم يوقع الخطاب، بعد هذه الصيغة المهذبة الرفيعة باسم اللواء أركان حرب محمد نجيب.
فهؤلاء القوم الذين طحنهم البؤس، والحرمان واليأس، والذين لم يكن يذكرهم أحد إلا بالسخط، ولا يخاطبهم أحد إلا بالزراية، يوجه إليهم مثل هذا الخطاب الذي يفيض أدباً، ورقة، وحناناً، ورعاية من رئيس الحكومة، وقائد الجيش الذي أحدث أعظم انقلاب في تاريخ مصر كله!
ذلك شيء جديد لم يروه من قبل، ولم يكن يخطر بأحلامهم. ثم هم بعد هذه الدعوة المهذبة يذهبون فيجدون من بر إخوانهم ما يكسوهم من عري، ويغنيهم عن سؤال، ويجدون أن ما أخذوه ليس صدقة ولا منة، بل هو حق الفقير عند القادر.
وهذا شعور جديد عند الحاكم لم يألفه وطننا مغزاه أن كل (مواطن) أخ كريم له من العزة والكرامة والحقوق ما لكل أخ قبل أخيه مهما يكن هذا المواطن فقيراً بائساً محروماً.
وهل قامت هذه الثورة البارة الخيرة إلا ليسعد بها الفقير، والبائس، والمحروم؟
ولست أعتقد أن هذا الأسلوب المهذب في خطاب الفقراء كان أدباً في الخطاب فحسب، بل أحب أن أعتقد أنه يبطن وراء هذا الأدب غاية أخرى هي إشعار الفرد بقيمته الذاتية وكرامته الإنسانية التي هي حق كل مواطن، والتي هي الركن الأول لكرامة الوطن والجماعة، فلن تكون جماعة كريمة عزيزة إلا وأساسها فرد كريم عزيز، ولن يكون وطن كريم عزيز إلا وأساسها فرد كريم عزيز، ولن يكون وطن كريم عزيز إلا وأساسه ولبناته أفراد كرام على نفوسهم أعزاء عند مواطنيهم.
والقيمة الذاتية للفرد هي أيضاً، أساس الحكم الديمقراطي المستقيم النظيف المنتج؛ فعلى قدر الإحساس الذاتي بالكرامة يكون الحرص على الحقوق الخاصة للفرد، والحقوق العامة للجماعة.
ولن تجد إنساناً يشعر بقيمته الذاتية وكرامته ثم يرضى بحكم فاسد أو جائر يظلمه أو تحكم به جماعته، أو يخضع له وطنه، والذي يعرف لنفسه قدرها يحرص عادة على أن يعرف أقدار الآخرين فلا يظلمهم، ولا يرضى بما يقع عليهم من ظلم غيره.
ولن تجد إنساناً يشعر بقيمته الذاتية وكرامته ثم يرضى بأن يكون عاطلاً أو ضعيف