قطعة كتبها الأستاذ البشري صدراً لحديثه في الراديو عن ذكرى شوقي، ثم بدا له أن يرتجل.
سيداتي سادتي:
في مثل هذا اليوم من عامين مضيا أذّن مؤذن أن البلبل قد سكت بعد طول سجعه وتغريده، وأن الزهر قد ذبل بعد إشراقه وتوريده، وأن النجم قد هوى فلم يعد يتألق، وأن الغدير قد غاض وهيهات له بعد الآن أن يترقرق.
مات شوقي ولو كان شوقي كسائر الناس ما كان لموته جليل خطر. ولرب رجل يموت فلا يفرق المجموع بين موته وحياته. ولكن موت شوقي شيء آخر. . أرأيت إلى النهر إذا يبس وإلى المطر حين يحتبس؟ وارحمتا للسارين إذا لحق النجم الغروب، وقد تشعبت الطرق واختلفت رؤوس الدروب!
. لقد كان شوقي نعمة من النعم العامة التي تفضل الله بها على هذه البلاد، بل التي تفضل بها على أبناء العربية جمعاء. فموته من المصائب العامة التي يحس خطرها كل امرئ يقدر روعة الفكر، ويحتفل لأبهى صور الجمال.
ولو إن الله تعالى بعث الشعور في مظاهر هذه الطبيعة وأقدرها على النطق، لشارك في إحياء ذكرى شوقي البحر الخضم، والجبل الأشم، والفلك الدائر، والنجم المختلج الحائر، والعود إذا أورق، والزهر إذا نوّر وأشرق، ولاجتمعت لمأتمه كل سجوع من بنات الهديل، يقمن عليه المناحات بأحد النواح وأحر العويل. فلقد طالما أضحك وسرى، ولقد طالما أطرب وأشجى، ولكم جلا من صور الطبيعة فأجاد وأحكم، وأنطق الصخر في مرسخه لو كان الصخر يتكلم، ولكم لاغى الطير غادية ورائحه، ولكم لاعب الغزلان شاردة وسانحة، ولكم داعب الغصن حتى تثنى خصره، وغازل الزهر حتى تنفس بهواه أرجه وعطره!
شوقي لم يمت، ومثل شوقي لا يموت أبداً، بل إنه ليزداد حياة على طوال الأجيال. هذا شوقي حي أقوى الحياة في بيانه القوي، وسيظل هذا البيان المشرع العذب النمير ينهل منه بنو العروبة ما قدّرت للعربية في هذه الدنيا حياة.
سيداتي سادتي:
وافقت ليلة حديثي ذكرى وفاة أمير الشعراء. ولابد من أن أقول فيه كلاماً، ولكن كيف لي