١ - جاءني صديق يدرس علماً من العلوم العقلية في كلية الآداب، جاءني يشكو. وهذا الصديق كان زميلي أيام التحصيل في جامعة باريس.
قال صديقي: أتدري ما يجري عندنا؟ قلت: خيراً! قال: إن أحد المدرسين من الأجانب لا يقنع بما تم له في جانب التدريس بفضل سعي مستشرق كبير، فها هو ذا يتلطف ليظفر بإدارة شؤون مكتبة الجامعة. وأعجب من هذا أنه يتلمس من الكلية استقدام زميل له شاب من أوربة، فيقول إنه من ذوي البسطة في اللغة العربية ومن أهل النظر في الاستشراق، وإنه لا غنى للكلية عنه في تلقين الطلبة (مناهج البحث في المشرقيات). ومما يورث الأسف أن آذان (قسم اللغة العربية) في الجامعة قد نشطت إلى هذه الأقوال. ولو تدري يا صديقي أن هذا العالم الشاب - واسمه سلومون بينيس - قد عرفناه في باريس قلت: لا أذكره. قال: إنه ذلك اليهودي اللتواني، وفي منطقه عِي. قلت حقاً لا أذكره؛ ألا تخبرني عن كفايته؟ قال: إنه لا يحمل سوى شهادة الدكتوراه من ألمانيا، وأنت تدري أن الدكتوراه الألمانية ليست بشيء يذكر إذ المعول عليه هنالك شهادة (الهابليتاتسيون)، وما الدكتوراه إلا في مرتبة (الليسانس) الفرنسية. قلت: هل ألّف الرجل شيئاً فنُعظم فهمه ونكبر عرفانه؟ قال: إنه صنَّف رسالةً في الفلسفة الإسلامية لم يشقَّ بها أفقاً ولم يكشف عن سر، فهو ممن يجري ويُجرى مَعَه. بالله خبِّرني: أكلُّ من خطر له أن يسقط إلينا يصيب الأذرع إلى العناق مشتاقة؟ ثم ماذا أقول عن هذا، وماذا يقول إخواني وجلُّهم من زملائي الباريسيين أو البرلينيين؟ إنَّ في مصر غير واحد ممن حصل في أوربة فن الاستشراق ومارسه وألَّف فيه وظفر برضا أهله وإعجابهم، وذلك فضلاً عن أن العربية لغتنا فقدُمنا فيها أثبت وبصرنا بها أعلى).
إني أنقل شكوى الزميل، وأملي أن يكون حديثه وهما من الأوهام.
٢ - في كلية الآداب (معهد الدراسات الإسلامية) وهو اسم واقع على شيء غير موجود، بل على خزانة كتب (وهي غير وافية فلقد شكا إلى بعضهم أن ليس فيها (كتاب الشعر) لأرسطو، ترجمة أبي بشر متي بن يونس).