للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بعد الامتحان. . .!]

للأديب الطاهر أحمد مكي

ماذا أصنع؟، وإلى أين أتجه؟ وفي أي المعاهد أنتسب؟، ومن أي الثقافات أرتوي؟. . . أسئلة حائرة تتراقص على لساني، وخواطر قلقة تتماوج في جناني، وآمال واسعة يضيق بها صدري، ويعجز عنها بياني؟

أنا أريد المعهد الذي يربى الروح وينشئ البدن، ويساير الحياة، ويراعي تطور الزمن،. . . وأنا أفتش عن الأستاذ الذي بوجه ولا يستأثر، ويرشد ولا يقيد، ويرسم المنهج، ويحدد الهدف، ولا يدخل في التفاصيل، ولا يتمسك بالجزئيات، ليجعل شخصه فوق الأشخاص، وعقله سيد العقول، ورأيه أكمل الآراء!. . .

قالوا أمامك بليع اللغة، بها نشأت العربية، وفي أحضانها ترعرعت، وعلى هدى منها تطورت، ولعلك واجد هناك ما يرضى ذوقك وفنك، ويشبع رغبتك وهويتك، ويصمد بك في معارج من السمو البلاغي، تتيح لك لذة لا تعدلها لذة، ومتاعا لا يعدله متاع!. .

واسترجعت نفسي، واستأنيت فكري، ولم أصدق ما قالوا فأنا أعرف بالأزهر، وألصق بشيوخه، وأخبر بمناهجه، وأعلم بطلابه، وهم جميعا ليسوا في شئ مما يصفون، وإن بدت ظواهرهم لماعة خداعة. . .

فكلية اللغة قالوا لها يوما، كوني على العربية حارسا ولها رائداً، ثم باركوها بالعناية، وغذوها بالرعاية، وحبوها بالجاه، وعززوها بالإيثار، وجعلوها مطمح الأنظار، واستخلصوا لها من الطلاب أنجبهم وأمكنهم، واعزرهم ثقافة وعلما. . ومضت عجلة الحياة مندفعة إلى الأمام، مسرعة الخطا، فأصاب التطور والتقدم شتى مرافق مصر، ولكن كلية اللغة لم تؤت ثمارها، ولم تبلغ أكلها، ولم تحقق أمل الناس فيها، فتوارت عن الأنظار.

ذلك لأن المشرفين عليها بالأمس واليوم، جعلوا من عقول بنيها آلات لرصد الآراء، ومذكرات لتدوين الحواشي، وسجلات لحفظ الهوامش، وحفظة على كتب الأوائل، غثها وسمينها، خبيثها وطيبها. . . ثم قالوا لهم، حدودكم فلا تتخطوها، وتلك آراؤهم تناقشوها، فوجد الطلاب أنفسهم مضطرين لدراسة قواعد لا تتمشى مع الذوق، ولا تستقيم مع المنطق، ولا تنهض على أسس سليمة من الفكر الصحيح والنظر السليم، والرأي الثاقب، والبحث

<<  <  ج:
ص:  >  >>