منذ ثلاثة أعوام، في منتصف أبريل سنة ١٩٣١، انهار صرح الملوكية الأسبانية، واختتم أقدم العروش الأوربية حياته الطويلة الحافلة، وطويت من التاريخ صفحة يشغل تاريخ العرب والإسلام منها حيزاً كبيرا. ذلك أن الملوكية الأسبانية التي شهدنا سقوطها بالأمس، هي نفس تلك الملوكية التي سحقها العرب يوم فتحوا الأندلس (٩٢هـ - ٧١١م)، والتي استأنفت بعد ذلك حياتها ضئيلة متواضعة في قاصية أسبانيا الشمالية وفيما وراء الصخر، ثم لبثت تنمو بطيئة ولكن ثابتة حتى رسخت دعائمها في هاتيك الهضاب؛ وبدأت بعد ذلك معركة الحياة والموت مع تلك المملكة الإسلامية التي قامت في أسبانيا على أنقاض مملكة القوط النصرانية، ولبثت مدى قرون طويلة تطاولها وتجاهدها، حتى آذنت دولة الإسلام في الأندلس بالاضمحلال؛ وما زالت المملكة النصرانية في نمو مستمر، والمملكة الإسلامية في ضعف مستمر، حتى غدا الإسلام محصوراً في مملكة غرناطة الصغيرة، ثم حلت المعركة النهائية؛ وظفرت الملوكية الأسبانية بتحقيق برنامجها القديم وغايتها الخالدة، فانتزعت غرناطة معقل الإسلام الأخير، وقضت على دولة الإسلام بالأندلس (٨٩٧هـ - ١٤٩٢م).
وقد نشأت الملوكية الأسبانية الذاهبة في ظروف كالأساطير، ونشأت في نفس الوقت الذي افتتح فيه العرب أسبانيا، وسحقوا دولة القوط القديمة. ففي موقعة شريش التي مزق فيها جيش القوط، وقتل آخر ملوكهم رودريك (لذريق)(٩٢هـ)، فرت شراذم قليلة من الجيش المنهزم إلى الشمال، واختفت فيما وراء تلك الجبال الشمالية التي وقف عندها تيار الفتح الاسلامي، واجتمعت بالأخص في هضاب كانتابريا (نافار وبسكونية) في الشرق، وفي هضاب استوريس في الغرب؛ واجتمع فل النصارى في الهضاب الشرقية تحت لواء زعيم يدعى الدوق بتروس، واجتمع في الهضاب الغربية، في جليقية تحت لواء زعيم يدعى بلاجيوس أو بلايو. وكان بتروس ينتمي إلى أحد الأصول الملكية، وكان من قادة الجيش في عهد وتيزا ملك القوط، ثم في عهد خلفه ومغتصب ملكه رودريك. أما بلاجيوس أو بلايو فيحيط الغموض بأصله ونشأته، ولكن يبدو مما تنسبه إليه الرواية من ألوان الوطنية والبسالة والبطولة أنه كان رفيع المنبت والنشأة؛ وتقول بعض الروايات أنه ولد الزعيم