كتب الأستاذ الفاضل الشيخ عبد المتعال الصعيدي فصلاً في (الرسالة) جعل عنوانه: (المعلقات. رأي جديد فيها)، وقد والله فتننى هذا العنوان أيما فتنة، واستوقفني عن قراءة المقال برهة، وأسلمني إلى طائفة من الخواطر غير قليلة. فقد طال عهدنا بالطريف من الآراء في تاريخ الأدب، واشتدت حاجتنا إلى إعادة النظر وتقليب الفكر في تراثنا الأدبي، واستشفاف الحقيقة المستكنة في ثنايا النصوص المختلفة، والتأويلات الكثيرة، ولا سيما فيما يتعلق بالعصر الجاهلي، وقد وقفنا منه في مجهل لا يتبين الباحث فيه إلا لمحات خاطفة، وأثارات ضئيلة، يكتفنها الغموض ويحيط بها الإبهام وتلعب بها الأوهام. . . وما نشك في أن المعلقات صورة صحيحة من ذلك العصر، مهما كان أمرها، ومهما اختلفت فيها مذاهب الباحثين وآراؤهم. فكل رأي جديد فيها جدير أن تلتفت إليه القلوب. وتصغي إليه العقول، ويتلقاه المتأدبون بالبشر والترحيب، إذ الجديد وحده هو الذي ينتظر منه أن يبدد الظلمات ويزيل الشبهات، ويفسر المشكلات. وليس الأستاذ الصعيدي ممن يتهم بأن له مع المستشرقين علاقة هوى، فيميل ميلهم، ويفسد الأدب والتاريخ بآرائهم! فجديده لابد أن يكون الجديد الخالص لا يشوبه شوب من تقليد. وهو رجل محافظ بطبعه، فيما يظن الناس، فجديده خالص لوجه العلم والحقيقة، لا عن رغبة في الخلاف وهيام بالتجديد.
حدثتني بهذا الحديث نفسي، وأنا واقف عند حد العنوان، ولكني كنت أنتقل في مدارج الغبطة والفخر والسرور، حتى أقبلت على المقال ألتهمه التهاماً، فإذا بي لا أحس شيئاً مما خيله لي المقام، وزينته لي الأوهام، ثم اتهمت مشاعري فعدت إلى المقال أقرؤه جملة جملة وكلمة كلمة. فإذا بي أر تكس على عقبي، وأحس في نفسي ما يحسه الطاعم لقاء طعام سئمته نفسه، ومجه حسه، وبرمت به معدته من كثرة ما تقلب فيها.
أما هذا الرأي (الجديد) فليس رأيا في المعلقات من حيث هي صورة للجاهلية، نلمح فيها