للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[نفس كبيرة ثائرة وعقل راجح حكيم:]

السيد جمال الدين الأفغاني

للأستاذ حمدي الحسيني

- ١ -

كنت في مجلس من أصحابي الشباب وكنت أتحدث إليهم عن السيد جمال الدين الأفغاني فأعجبوا بروحه القوية المتدفقة نحو الحياة والحرية. وكيف لا يعجب شباب العرب بروح جمال الدين وهم يتحفزون للوثبة الكبرى وراء الحياة والحرية؟ وكيف لا يتخذون من روحه القوية المتدفقة الوثابة حافزا لهم في جهادهم العظيم للحرية والاستقلال والوحدة. فطلب مني بعض أولئك الشباب أن أكتب كلمة عن هذا الرجل العظيم في مجلة الرسالة الغراء ليتعرف عليه أكبر عدد ممكن من شباب العرب. وهاأنذا أحقق رغبتهم راجياً أن أوفق إلى تصوير روح جمال الدين تصويراً يجعل منها نوراً يستضيء به الشباب العربي في جهادهم القومي، وناراً تأكل هذا الاستعمار الغاشم فتقوض دعائمه وتذهب بكيانه وعيانه.

يقسم علماء النفس الشعور الإنساني إلى ثلاثة أقسام، المعرفة والوجدان والنزوع. وهذه الأقسام الثلاثة للشعور الإنساني مترابطة متداخلة كتيار الماء الذي يدور على نفسه. ترى الوردة الجميلة مثلاً متفتحة الوجنات على غصنها الرطيب (هذه هي المعرفة) فتروقك تلك الوردة الجميلة ويلذك منظرها ورائحتها (وهذا هو الوجدان) فتقبل عليها فتقطفها لتستمتع بها لما وشما (وهذا هو النزوع). وتلمس يدك النار وهذه معرفة؛ فتتألم من حرها وهذا وجدان فتزيح يدك عنها أو تزيحها عن يدك وهذا نزوع. تعرف الشيء فتلتذ به أو تتألم منه فتنزع نحوه أو عنه جلبا للذة أو دفعاً للألم؛ وهذا هو الشعور الإنساني نوعاً، وأما كما فليس الشعور الإنساني بمتساو في أقسامه. وهذا الاختلاف في الكم هو الفارق بين أفراد البشر خيراً وشراً، كمالاً ونقصاً، قوة وضعفاً. والبشر بهذا الاختلاف في كمية أجزاء الشعور ينقسمون إلى ثلاثة أقسام، قسم قويت فيهم المعرفة وضعف الوجدان والنزوع كالعلماء. وقسم قوى فيهم الوجدان وقلت المعرفة وضعف النزوع كالفنانين. وقسم قوى فيهم النزوع

<<  <  ج:
ص:  >  >>