ماذا كان يرجو السيد الأفغاني من وراء الوحدة؟ وماذا كان يعلق عليها من الآمال والأغراض؟ ويحدد لها من الأهداف والغايات؟
لقد كان الرجل يقف من ذلك بادئ الأمر عند مسألة المسائل، فكان كل ما يرجو أن تكون الوحدة قوة دفاعية تقف في وجه الاستعمار، وتقوم (سداً يحول عن المسلمين السيول المتدفقة عليهم من كل جانب)، ومعنى هذا أنه كان يرجو من الوحدة أن تكون وقاية وحماية، هدفها الوقوف في وجه الخطر وكفى، ولكنا نراه بعد ذلك يتوسع في الأمل، ويتفسح في الغاية، إذ يقرن (بالميل إلى وحدة تجمع، الكلف بسيادة لا توضع!!، ويطمع أن يرى المسلمين (تتلاقى هممهم، وتتلاحق عزائمهم في سبيل الطلب، فيندفعون للتغلب على الذين يلونهم، كما تندفع السيول على الوهاد، وألا تقف حركتهم دون الغاية مما نهضوا إليه. .!!
وكأن الرجل قد رأى نفسه في القمة من الرأي والقوم لا يزالون يدرجون عند السفح، وكأنه أدرك أنه بلغ في التوسع بالأمل مبلغاً تتعاظمه النفوس، وتستهوله العزائم، فأخذ يلتمس كل وجه من وجوه التدليل على ما يجب من الحماسة لهذه الغاية الضرورية، وراح يبذل كل ما في وسعه من اللباقة والزلاقة ليصل بهذا الرأي إلى أطواء القلوب ومكامن العقيدة، فنراه يقرر أن الوحدة والسيادة (أمران خطيران، تحمل عليهما الضرورة تارة، ويهدى إليهما الدين تارة أخرى، وكل منهما يطلب الآخر ويستصحبه، بل يستلزمه)، وبعد أن يتمشى الأفغاني في شرح هذا الاستلزام من الناحية النظرية، يجنح في الاستدلال إلى ما يدل عليه (تصفح تاريخ الأجناس، واستقراء أحوال الشعوب في وجودها وفنائها، وما درجت عليه سنة الله في الجمعيات البشرية، من جعل حظها من الوجود على مقدار حظها من الوحدة، ومبلغها من العظمة على حسب تطاولها في الغلب. .!!، ثم ينتهي في أسلوبه هذا إلى الوتر الحساس، وتر الدين المشدود بالقلوب، فيقرر (أن الوفاق والغلب ركنان شديدان من أركان الديانة الإسلامية، وفرضان محتومان على من يستمسك بهما، فمن خالف أمر الله فيما