الآن وقد انتهى ناقد هذا الكتاب من الكلام عما سماه مآخذ تاريخية، فيحق لي - إنصافاً للحق وتمحيصاً للتأريخ - أن أرد عليه بإيجاز حتى يكون القراء على علم بالحقيقة. ولا يفوتني - قبل أن أرد على بعض هذه المآخذ - أن أشير إلى أن فكرة جالت في خاطري: هي إهمال الرد، اتكالاً على أن المطلع على الكتاب يتولى بنفسه تفنيد هذه المزاعم، لولا أن كثيراً من زملائي ألحّ عليّ أن أرد باسمي واضحاً لأضع الحق في نصابه.
يقول حضرة الناقد:(إنه عمد إلى نشر ما تيسر له نشره من الاستدراك خدمة لمادة ناشئة في معاهدنا العلمية واستحثاثاً للمؤلف على تدارك أمره في مادة هو متخصص فيها، وضناً بما لمصر من حسن السمعة العلمية في الأقطار الشرقية أن يتطرق إليه ضعف أو وهن).
وقبل أن أستدرك على هذا الاستدراك وأبين أن ما سماه الناقد مآخذ تاريخية وجغرافية، قد بالغ في بعضها كل المبالغة، وجاَنب الأنصاف في غالبها؛ ألفت نظر حضرته إلى أنه كان يستطيع أن يجنّب نقده بعض عبارات نابية يستغني عنها الموضوع الذي هو بصدده. وما أدري ما شأن تلك المآخذ بنحو هذه الألفاظ:(الألقاب الضخمة، الآثار العلمية المؤلفة والمترجمة، إن المؤلف شغل بنقل شرح التبريزي على القصيدة عن تفهمها وتبيين من قيلت فيه، الأغلاط والتورط، الخلط القبيح.) ولعل الأستاذ المستدرك غاب عنه أن مآخذه التاريخية والجغرافية على فرض صحتها - وسيرى القارئ مبلغ صحتها - لا تقدح في كتاب أربى على ستمائة وخمسين من الصفحات، ولا تدعو إلى كل هذا الإشفاق على حسن سمعة مصر في الأقطار الشرقية أن يتطرق إليه ضعف أو وهن، وغاب عنه أيضاً أن إيراد مثل هذه الألفاظ الشديدة التي لا تتعلق بموضوعه ألبته تعكس الغرض من النقد الذي اشترطوا له أن يقوم على ركن ركين من النزاهة الكافية والخبرة التامة، حتى لا يجد فيه