للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[رؤيا مرزا]

للكاتب الإنجليزي يوسف أديسون

بقلم الآنسة ماهرة النقشبندي

حينما كنت في مدينة القاهرة العظيمة وقع في يدي عدد من المخطوطات الشرقية التي لا يزال بعضها معي، ووجدت من بينها واحدة عنوانها رؤيا ميرزا، بعثت قراءتها في نفسي سروراً لأحد له. وقد عزمت على نشرها للقراء عندما لا أجد ما أسلبهم به وسأبدأ بالحلم الأول الذي ترجمته بالحرف الواحد كما يلي:

عندما حل اليوم الخامس من الشهر القمري الذي لا أزال أقدسه كعادة أجدادي، اغتسلت وصليت الصبح ثم تسلقت تلال بغداد لأقضي سحابة اليوم في التأمل والتعبد. وبينما كنت أتنزه على قمم الجبال، رحت في شرود، أفكر في تفاهة الحياة البشرية، وتنازعتني الفكر، وقلبت الأمور على وجوهها فلم أجد الإنسان إلا ظلا ولا الحياة إلا حلماً طويلاً. وبينما أنا في تأملي وقد سرحت النظر إلى قمة صخرة لا تبعد عني كثيرا، رأيت رجلاً في ثياب راع يحمل في يده آلة موسيقية رفعها إلى شفتيه وبدأ يعزف عليها حينما نظرت إليه. كانت الأنغام رائعة شجية مختلفة الإيقاع تنساب في رفق ولين وعذوبة لا توصف وكانت عن كل ما سمعته إذناي من موسيقى، وذكرتني بالأنغام السماوية التي لا تعزف إلا للأرواح الصالحة عند رحلتها الأولى إلى الفردوس لتنسيها آلام النزع الأخير وتعدها للسعادة التي تنتظرها في ذلك المكان البهيج. فأحسست كأن قلبي يذوب وكأنني أفني في ذهول خفي.

لقد كنت أعلم أن هذه الصخرة يسكنها جني، وإن بعضهم قد أطربته موسيقاه الساحرة، غير أنني لم أسمع أب العازف قد ظهر للعيان. وفيما أنا ذاهل عن نفسي بما آثرت هذه الأنغام الشجية في رأسي من أفكار، ولكي يتيح لي لذة محادثته أشار إلى بيده حينما نظرت إليه مشدوداً لأقترب من مجلسه، فدنوت منه باحترام يليق بمكانه كائن غير بشر. ولما كانت أنغامه الشجية قد أخضعت قلبي بكليته فقد ركعت على قدميه أنتحب. فابتسم لي بسمة يشع منها اللطف والحنان جعلته قريباً إلى نفسي، غير مخيف لناظري، وطري ما اعتراني من خوف وفزع عند قدومي إليه. وأخذ بيدي ورفعني عن الأرض قائلاً: ميرزا! لقد سمعتك وأنت تناجي نفسك فاتبعني. وقادني بعد إذ إلى نقطة في الصخرة وأوقفني فيها وقال: ألق

<<  <  ج:
ص:  >  >>