واكبتك منذ خمسة عشر عاماً أو تزيد. وأنا في ركب رسالتك، أرشف معين أدبك، وفيض خواطرك، وبي ظمأ أدبي. لا يبله غير رشيح قلمك ووحي رسالتك. لذا جئت منتهزاً فرصة التسعة عشر عاماً التي اجتازتها الرسالة، لأرفع بين الإعجاب والإكبار تحية أدبية هي منك وإليك. فتقبل شيخ أدباء الجيل تحيتي، أكن ممتنا وشاكراً هذا القبول:
حديث الرسالة:
لا شك أن الحديث عن الرسالة متعب، ومتعب جدا. ولا شك وأن المتحدث عن صاحب الرسالة متعب مكدود. قد يجهد هذا المتحدث فكره، ويكد ذهنه، بقضاء ساعات طوال بين صفحات الرسالة، متصفحاً ما تركته من أدب حي خالد خلال رواسب هذه السنين المواضي. يخرج وقد عقد الإعجاب لسانه. لا يدري ما يقول، فيضطره هذا الإعجاب، إلى التقهقر والتراجع، أمام هذا الصرح الأدبي الجبار الذي سيطاول الزمن ولا شك، ويقارع الجهل أنى كان، وحيثما وجد، بأقلام عرفت بطيب المغرس والمنبت. تستقي الوحي من أفكار خصبة وقادة، وقرائح لا تعرف الجدب والمحول؛ فهي دائماً وأبدأ، تطالعنا بكل طريف جديد، ولاذ ظريف. وفي الطليعة صاحبها. يقودها قيادة مدبر حكيم، بسهر متواصل، وحراسة حدب عليها، رفيق بها. بعزيمة أشد صلابة من الصلابة نفسها، وهمة لا تعرف الخور والتراجع فيما هي سائرة نحوه وإليه له قلم طيع يسيره أنى أراد وحيث شاء. هو قاس شديد حين يريد منه القسوة والشدة، ولين مرن حين يريد منه المرونة واللين، وساخر هازل إن أراد منه السخرية والهزل. وجاد حين يريد منه الجد:
هو قاس عنيف، حين يصخب من الحياة ومآسيها، ومن الوضع وشذوذه. فإذا رعف بمأساة من مآسي الحياة تجده جذوة ملتهبة وبركاناً يقذف حمماً وشواظاً من نار. وإذا هدأت نفسه واستقرت يعطيك صوراً من الحياة باسمة ينتزعها قطعاً من قلبه، فينفثها قلمه سحراً حلالا. وفاكهة طيبة ناضجة.
وإذا سخر من الحياة وهزئ بالوضع تجدك أمام المعري في سخريته اللاذعة وتهكمه