ما هو النوم؟ ثقل يداعب الرأس، ثم تطبق الاجفان، وينعدم الحس، وتهدأ حركة القلب، ويبطئ التنفس ويكون عميقاً، وتهبط حرارة الجسم شيئا قليلا. أما المخ فيتوقف جزء منه عن العمل، فيغيب ما يسمى بالعقل الواعي، وينفرد بالأمر العقل الباطن. والاحلام أكثرها أحاسيس، تغزو الجسم النائم من خارجه، أو تتولد في داخله، فتبرق بها الاعصاب إلى العقل الباطن، فيقرؤها بلغة قصصية رمزية، ويأخذ من سالف الذكريات، وكامن المخاوف والرغبات، فيكمل الاقاصيص، يحوك اطرافها. في الاحلام شواذ، ولكن اكثرها من هذا النوع.
هذا النوم الطبيعي، هدنة يتخذها العقل الواعي. وهناك نوم اصطناعي، هو المعروف بالنوم المغنطيسي، ظاهرة اكتشفها في القرن الثامن عشر طبيب ألماني يسمى مزمر وبأكتشافها انفتحت للاحتيال سوق جديدة، اتاها الدجاجلة يهرعون، من كل موفور الذكاء، منقوص الخلق، فأساءوا إلى العلم، وفوتوا على الإنسانية النفع، وفجع الرجل في اكتشافه، وساءت سمعته، وقضى على اساليبه. ولكن لما كان الشىء الحقيقي لا ينعدم، عاد العلم في أواخر القرن التاسع عشر فتناول الظاهرة المزمرية بالدرس الجديد.
في النوم المغناطيسي لا يغيب العقل الوعي من تلقاء نفسه، بل بتأثير ضغط يقع عليه من عقل آخر. فإذا نظر المنوم في عيني القابل للنوم، أحس هذا بعد حين بثقل في الجفون، ثم يغمض، ويفقد الحس، وتسترخي عضلاته، ويقع في سبات يختلف عن النوم الطبيعي فيما يأتي: -
١ - لا يكون العقل الباطن حراً مستقبلا كما في النوم الطبيعي بل يكون عبداً طائعاً للشخص المؤثر، يأتمر بجميع اوامره، ويتلقى منه كل فكرة كلها تنزيل. ويمكن تشبيه الجسم في النوم الطبيعي بمملكة غاب مليكها باختياره، وترك آلة الحكومة تدير نفسها، على أن يعود إذا استدعت الحال، أما في النوم المزمري فقد قهر الملك، وكبل عنوة بالاصفاد، فطبيعي أن تقع حكومته لعبة في يد القاهر. هذا تشبيه فقط، والذي يحدث على أي حال هو أن المتأثر يصبح للمؤثر أطوع من بنانه.