للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من الأدب الإنكليزي]

٣ - برسي شلي -

بقلم خليل جمعة الطوال

تعريفه للشعر والشاعر

لِشلي نظرية في الشعر طويلة لا يتسع مقالنا هذا لاستيعابها بكاملها، نقتطف منها إحاطة بالموضوع من جميع نواحيه ما يأتي: ليس الشعر بالحدث الطارئ الجديد على عواطفنا ولا من صفاتنا المكتسبة بطوال التمرسن والمران، بل هو فينا غريزة فطرية كغريزة الجوع والنوم والكلام والألم، وليس ما نبديه من الحركات المبهمة والإشارات الغامضة، أو ما نفوه به من الكلام وتجيش به صدورنا من العواطف المضطرمة إلا أنواعاً من الشعر في أدنى مواضعه وأضيق حدوده. ولولا ما فينا من عواطف الشعر الهائجة الكامنة والثائرة ألوا دعة، لما كنا نكتئب ونفرح لأوهى الصدمات وأدنى المؤثرات.

وليس الشعر بعلم من العلوم التطبيقية كالهندسة والكيمياء وكالفلك والكهرباء وإلى ما هنالك من العلوم التي تعتمد على التجربة ولا تثبت إلا بالبرهان، بل هو فن من الفنون الجميلة - وهي الرسم والموسيقى والرقص والغناء والشعر والبناء - التي تعنى بظواهر الأشياء وأشكالها دون باطنها، وبجمالها وأعراضها دون جوهرها: وما الإنسان إلا كآلة موسيقية تتعاقب عليها شتى الانفعالات الداخلية والمؤثرات الخارجية: فتتجاوب أوتارها لكل منها بنغمة خاصة تختلف عن سالفتها في الدرجة لا في النوع.

لقد كان الإنسان في بدء أطواره يُقلد مختلف الظواهر الطبيعية بحركاته وساكناته، فكان كل من هزيم الرعد، وهزيز الريح، وزمزمة النار، وخرير المياه، وحفيف الأشجار، وقد غردت فوقها الأطيار الجميلة الألوان والشجية الألحان، يحدث في نفسه انفعالات داخلية عديدة، وشحنات كهربائية عنيفة، لا يرى لها مخرجاً إلا في فنّ من الفنون الجميلة، ولكن الناس ليسوا سواءَ في الاستجابة لهذه المؤثرات، فهم وإن تشابهوا في نوع احساساتهم إلا أن فيهم البليد الشعور، وفيهم السريع الانفعال، وهذا الأخير هو ما نسميه اصطلاحاً بالشاعر.

<<  <  ج:
ص:  >  >>