والشعرُ يتكئ على الخيال كما يتكئ على الحقيقة، ويعتمد على اللغة بمقدار ما يعتمد على الموسيقى والغناء. وليست هذه الأشياء في مجموعها إلا من مكونات الشاعر الأولية، وبمقدار حظه منها يكون حظه من الشاعرية.
على أن أسمى مظاهر الشعر وأبينها هي تلك العواطف والانفعالات المنضوحة في وعاء من الكلام الموزون المقفى؛ ذلك لأن جمال اللغة وموسيقى الألفاظ، أقرب إلى الخيال وأعمل في إذكاء النفس وإرهاف الحس من التصوير والبناء، ونغمة الآلة والرقص والغناء. ولكن هذه المفاضلة تحصر الشعر في دائرة ضيقة، لا تتسع لاستيعاب ذلك الخيال المشبوب وتلك العاطفة الوثابة اللذين لا يجدان لهما من منفذ آخر عدا الشعر المقفى إلا بالتلحين وبالحركات. ومن هنا كان تفرع الرقص والغناء عن الشعر الذي هو الأساس.
الشعر هو تلك المرآة التي تنعكس عنها شتى الانفعالات النفسية التي يجيش بها الصدر وينماث لها القلب؛ وبمقدار ما يكون لهذه المرأة من دقة الصنعة والإتقان يكون للشاعر من جودة الفن وغايته في الإبداع والإحسان.
ولعل ضرورة الوزن والقافية للشعر إنما جاءت من ضرورة الرقص والموسيقى للغناء. فأنت لا تكاد تنبس ولو ببيت من الشعر إلا وتختار لا لقائه أجود التوقيع، وتقرنه بأشرات قد تكون في الغالب مبهمة، إلا أنها مع كل ذلك تدل على عاطفة كانت مكبوتة فظهرت، وكانت هادئة فاضطربت.
الشعر هو صورة الحياة في حقيقتها الأزلية والشاعر هو تلك الريشة التي تظهر بواسطتها هذه الصورة والشاعرية هي القدرة على إبرازها في أجمل ألوانها وأزهارها وأشكالها.
الشعر هو الألمُ والسرورُ، هو الكآبة والحبور، والشاعر هو ذلك الذي تضطرب نفسُه بين موجات الحزن ونغمات الفرح. بل هو ذلك الشعاع الذي يصقلَ النفسَ ويرهف الحس ويهذبُ الشعور.
الشعرُ يهذب الأفرادَ والدرامة تُصلح سوأت المجتمع، ولهذا أحسن تاسو الإيطالي إذ قال: ليس من مبدع إلاّ الله والشاعر، وليس من مدنية إلا بالدرامة.
ثورة شلي الفكرية
لقد تمرد شلي على الهيئة الاجتماعية وخرج على جميع نظمها وتقاليدها الدينية والمدنية،