كان للانقلاب المدني الذي جلبته حرب البيلوبونيز (٤٣١ - ٤٠٤ق. م) وتطور العقلية والنفسية الإغريقية أثر عظيم في النهوض الفني واتجاهه. ولذلك يمكن اعتبار المدة المحصورة بين نهاية تلك الحرب وبين عصر إسكندر الأكبر (٤٠٠ - ٣٣٠ق. م) مدة (الازدهار المتأخر) أو (عصر الرفعة الثاني).
ولا يهم مؤرخ الفن المشتغل بالأركيولوجية الإغريقية أن يتناول في مقال كل ما أحاط بالحياة الإغريقية من سياسية واجتماعية إلى مدنية إلى حياة خاصة بسبب الحرب؛ وإنما يهمه أن يتلمس النتائج التي ترتبت عليها في الآثار الموجودة أو على الأقل بين دفات الكتب الموثوق بقيمتها العلمية كمراجع يعتمد عليها ومصادر أثبت البحث صحة ما جاء فيها.
ولما كان الفن الإغريقي قد اتجه في النحت بعد حرب البيلوبونيز اتجاهاً صادق التعبير عن التغير والمنهج الجديد الذي مال كثيراً وفي وضوح إلى تمثيل الفردية بعد أن كان ممثلاً للجماعات؛ فقد جاء من حيث الجوهر أقوى إفصاحاً عن النظرة الشخصية للفنان.
ولذلك - ولا نبعد عن الصواب - نجد أن التماثيل في مجموعها انتقلت انتقالاً هائلاً من ناحية تعريفها للحياة في صدق ومحاكاتها للطبيعة البشرية في قوة، لما ظهر عليها من حسن التكوين والحركة، كما تمكن الفنان من التعبير عن خوالج النفس، وهذه ناحية لم تكن إلى هذه المرحلة مما يستطاع تمثيله أو محاكاته ولا سيما أن المشاعر النفسية والعوامل التي يتأثر الجسم منها تأثراً يبدو في حركته وينعكس على ملامح الوجه، مما لا يتاح لنحات أن يخرجه إلا بعد وصوله إلى درجة عليا من المقدرة الفنية
فبينما نرى اهتمام الفنان كان قبل هذه الآونة متجهاً نحو تمثيل المقدرة والشجاعة والقوة، نراه في هذه المرحلة أكثر ميلاً نحو صدق المحاكاة ومراعاة التعبير عن النفسيات،