في صباح هذا اليوم يستقبل الناس عامهم الجديد وهو يبرز من حجاب الغيب بروز الجنين من كمام الحياة لا تدل معارف وجهه على خير ولا شر؛ وتستقبل الرسالة معهم عامها الثامن وهو يبصر في ظلام الغد بصيص الأمل في حواشي اليأس لا يُخلد إليه ألا ريب الحذر بعرف ولا نكر. وفي مساء البارحة شيع الناس سنتهم الفارطة وهي ترزح بالحوادث الحسام، وتسفح بالدماء الحرام، وتنذر بالقارعة العامة؛ وشيعت الرسالة معهم سنتها السابعة وعليها سمات وندوب من جهاد الرأي ونضال العيش وعنت الخصومة. وبين الساعة التي نشيع فيها العام الفقيد، والساعة التي نستقبل فيها العام الوليد، يرتسم الحد الفاصل بين ذكرى وأمل، وبين ماض ومقبل، وبين مرحلة ومرحلة من طريق الحياة الطويل الغليظ المبهم. وما يوم الناس إلا ذكراهم للأمس ورجاؤهم في الغد. وما حاضرهم إلا التحسر على الماضي والتخوف من المستقبل. وما عيدهم بين سنة وسنة إلا وقفة استجمام بين سُرىً ملغب أمنوا ضلاله وعلِموا صباحه، وبين سير مجهد يخشون أهواله ويجهلون ليله!
الدنيا حرب دائمة بين الحياة والموت والصلاح والفساد والخير والشر؛ ولكن هذه الحرب الخفية قد أصبحت لضرورتها ولزومها جزءا من نظام الوجود إن لم تكن هي ذلك النظام نفسه. ومن أجل ذلك ألفناها إلفنا قوانين الطبيعة فلا نتبرم بها ولا نضيق. فأنا ونفسي، ومنفعتي ومنفعتك، ورأيك ورأيه، ورغبتها ورغبته، في حرب مشبوبة لا تنطفئ، وعداوة منصوبة لا تنكسر. والحياة مع هذا الصراع المستمر زاخرة، والكون مع هذا الدمار الشامل قائم. ولكن الحرب التي تشنها أمة على أمم فتزلزل الأرض بالقذائف، وتشق السماء بالرصاص، وتخسف البحر بالألغام، وتهلك الحي بالهم والسم والنار والقحط، مثلها كمثل الزلزال والطوفان والزوبعة، لا يتسق معها نظام، ولا يتصل بها عيش، ولا يستقيم عليها أمر؛ ثم لا يميز شياطينها المجرمة المحطمة الهوجاء الضار من النافع، ولا المذنب من البريء.
من الجائز أن تنجو الرسالة من حزب الهوى والخصومة والمنافسة. فإن الحرب في تنازع البقاء هي السلم، والثورة لبقاء الأصلح هي النظام؛ والسلاح الذي لا يخذل في هذه الحرب هو الصدق والصبر والإيمان والمثابرة، وكلها في مقدور المجاهد الصالح. ولكن من المستحيل أن تسلم الرسالة من شر هذه الحرب الهتلرية الطاحنة؛ فإنها على ضراوتها بكل