شر وإضرارها بكل شيء، كانت أقسى ما تكون على الصحافة: قطعت عنها الوارد من الورق والحبر وأدوات الطباعة، فنقصت في الكيف والكم، بقدر ما زادت في النفقة والهم. وقطعت عليها السبيل إلى الأقطار الأخرى بصعوبة النقل وشدة المراقبة وضيق المعاملة، فتعذر وصولها إلى البلاد المحاربة، وقل انتشارها في الأقطار البعيدة. وشُغِل الناس بأخبار الحرب وأفكارها وأوزارها وأطوارها وأزمتها ونتيجتها عن النظر في الأدب اللباب والفن الخالص، فلم يقرءوا إلا ما يتصل من قريب أو بعيد بهذه القيامة القائمة
كان من شر هذه الحرب على الرسالة أن كابدت ما كابد غيرها من صحف العالم أزمة الورق، فاضطرت إلى أن تنقص حجمها بعض النقص، وتقتصد في زينتها بعض الاقتصاد. ورأت أن تضمن لنفسها استمرار الحياة في هذا الدهر العصيب فطوت (الرواية) في أحشائها إلى حين ليتوفر لها ما كانت تنفقه أختها من الورق وتهلكه من المادة. وكل ذلك في رأينا ورأي القارئ الصديق أهون من التهور في الهجوم القاتل، أو التعرض للأشر المعطل
على أن هذه الحرب كربة ستنجلي وأزمة ستنفرج. ثم يعود كل شيء إلى خير مما كان وأحسن. ولئن ظهر أثر هذه الحرب الضروس على سمت الرسالة وحليتها، فمعاذ الّله أن يمتد ذلك إلى تحريرها وخطتها؛ فإن التأثير الخارجي لا يتجاوز الخارج ولا يتعدى الشكل؛ وأما التأثير الداخلي الذي يمس الموضوع والجوهر والكنه فهو انبثاق الإيمان والفن من قلب الكاتب، وانتشار الاطمئنان والثقة من روح القارئ! وهيهات أن يعتور هذين المؤثرين فتور أو قصور أو وهن. وبين الرسالة وقرائها ولله الحمد ألفة وثقة وتعاون؛ ولولا ذلك ما ثبتت هذه الصحيفة الضعيفة على عرك الخطوب وكيد المطامع. ونحن لا نزال نأنس في أسرة الرسالة الكفاية والقدرة على إرضاء القارئ في كل جهات عقله وقلبه إذا استمر يوليها الثقة والمعونة. وسيرى أن الرسالة من غير أن تقطع وعداً أو تجدد عهداً تسير في طريق الكمال بقدم ثابتة وخطى متزنة، فلا تعسف لتضل، ولا تسرع لتكل، ولا تجازف لتنقطع. والرسالة في أناتها وثباتها لا تخرج عن سنن الطبيعة؛ فهي مظهر لرقي الأمة العربية في الفكر والخيال والشعور؛ وهذه المواهب لا ترقي في الفرد والأمة إلا بمقدار
صديقي القارئ، تعودت في مثل هذا اليوم من كل عام أن أستريح إليك بذكر ما لقيت